للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثاتي أن يجعلا مجازاً عن الإنعام والانتقام إطلاقا لاسم السبب على المسبب البعيد الثالث أن يحمل الكلام على الاستعارة التمثيلية، والمصنف اختار في الرحمة الثاني وفي الغضب التمثيلية بأن تشبه حاله تعالى مع العصاة في عصيانهم له، وإرادته الانتقام منهم وإنزاله العقوية بهم بحال الملك إذا غضب على من عصاه فأراد أن ينتقم منه ويعاقبه ألا ترى إلى قوله: وأن يفعل بهم إلخ فإنه نبه به على علاقة المشابهة، وإلى اعتبار التركيب حيث قال: هو إرادة الانتقام، وإنزال العقوية برفع اللام كما في النسخ المعوّل عليها فقوله، وان يفعل مرفوع المحل أيضاً، وتوهم الجر لجعل الغضب مجازاً عن الإرادة لا الانتقام والرحمة الإنعام دون إرادته إشارة إلى سبق رحمته غضبه مخالف للنسخ ولا يكون لقوله: وإنزال العقوبة فائدة وعليه، فالتعرّض للتشبيه مستدوك فالواجب أن يقال لأنّ الملك إذا غضب على من عصاه أراد أن ينتقم منه ونكتة السبق مجرّد تخيل، فإنّ إرادته تعالى إذا تعلقت بأفعاله أفضت إليها إجماعا، والوصف بالإنعام والانتقام أقوى في الترغيب والترهيب من الوصف بإرادتهما، وقال ابن جني: إنه صرح بإسناد النعمة إليه تقرباً وروى عنه إسناد الغضب تأدّباً كأنه قيل: الإنعام فائض من جنابك، وأمّ أولئك فيستحقون أن يغضب عليهم.

(أقول) لنا فيه كلام من وجوه:

(الأوّل) إنّ تأييد الرفع الذي بنى عليه بعض مدّعاه بصحتة رواية لأنه الموجود في النسخ المعتمدة مع أنه ضبط قلم معارض بأن قوام الدين الاتقاني ضبطه بكسر اللام، وقال فيما كتبه عليه: هكذا هو بخط المصنف، كما في بعض الحواشي.

(الثاني، اًنّ قوله: ولا يكون لقوله: وانزال العقوبة فائدة ليس كما قال بل له فائدة أحسن

مما ذكره، وهو تفسير الانتقام إذا وصف به العزيز المنتقم لأنه قد يكون بمعنى الإنكار كما في قوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ} [البروج: ٨، وتشفي النفس كعطفه عليه عطفاً تفسيريا للاحتراز وأقي فائدة أتتم من هذه.

(الثالث) أنّ ما عوّل عليه من استدراك التشبيه غير وارد لأنّ هذه عبارة السلف كما أسلفناه وفيها معنى دقيق، وهو الإشارة إلى أنّ هذه السببية معروفة مشهورة، وأنها باعتبار غضب العظماء، فإنّ غضب غيرهم لا يلزمه ما ذكر وأن أفعاله تعالى لا ترتبط بالأسباب وانما هو جار على نهج كلامهم فتدبر.

(الرابع (أنه يلزمه أن تكون هذه الاستعارة التمثيلية مما اقتصر فيه على ذكر بعض ألفاظ الهيئة المشبه بها كما سيأتي في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى} [ممورة البقرة: ٥] وأنه إنما يكون إذا كان مدلوله هو العمدة في تلك الهيئة كما حققه ثمة ولا شك أنّ معنى الغضب ليس كذلك بل قيل: إنه ليس من أجزاء الهيئة المشبه بها إذ لا نظير له في الهيئة المشبهة وأمّا قوله وأن يفعل إلخ فظاهر مما مرّ وقيل إنه إشارة إلى أنّ علاقة السحبية في نوع المعنى المجازي كما ذكر أنّ الرحمة مجاز عن إنعامه لأنّ الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه وانعامه. وقوله هو أي غضب الله إرادة الانتقام لا يلائم الاستعارة التمثيلية فإنها جميع الألفاظ الدالة على الهيئة المشبه بها ولا شيء منها بمستعمل في غير ما وضع له وانما يراد بالمجموع الهيئة المشبهة، فلا يكون معنى غضب الله ما ذكره والآ لكان مستعملاَ فيه، وليس كذلك كما عرفته فاعرفه ترشد.

(الخاس) أنّ قوله: ونكتة السبق مجرّد تخيل إلى السبق المذكور ورد في الحديث الصحيح،، فلا يصح أن يقال فيه أنه تخيل وانما أراد أنّ ابتناء تفسير الرحمة بالإنعام، والغضب بإرادة الانتقام عليه مجرّد تخيل لا يدل عليه كلام الزمخشريّ، ولا يقتضيه النظم القرآني، ومثله الغاز لا يليق ببلاغة القرآن، فإن أردت توضيحه فاصح لما يتلى عليك فنقول السبق فسر في الحديث بمعنا. الظاهر، وهو التقدّم، وبالغلبة أي الزيادة الكثيرة، فلما جعلت الرحمة، والغضب تارة من صفات الأفعال وأخرى من صفات الذات جاز حملهما معا على أحدهما، وحمل أحدهما على وجه دون لآخر، فالاحتمالات أربعة والظاهر كونهما على نهج واحد، ولا يعدل عنه إلاً لنكتة يخصصها المقام فيجعل اقتضاؤه قرينة على تغايرهما، والزمخشريّ لما فسر الأول بالإنعام الذي هو صفة فعل، والثاني بالإرادة التي هي صفة ذاتية، ومثله لا يقرع له العصا علم أنه أنسب بالنظم، وهو كذلك لأنه قدم لفظاً وكرر معنى، وص هح بوقوعه في قوله أنعمت، فناسب ذلك تفسيره بالإنعام، لأنه وصف جميل وهو في مقام المدح والامتنان يقتضي الوقوع

عاجلاً وخير البرّ عاجله، فينبغي تفسيره بما يدل على ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>