الإسلام من الشدائد، كما جعل من ابتلي بهذا الصيب في ليلة مظلمة في مفازة أصبعه في أذنه من الصواعق، يكاد البرق يخطف أبصارهم أي ما في الإسلام من الغنيمة والنفع، ومعناه أنّ المنافقين إذا رأوا خيراً في الإسلام وغنيمة مشوا إليه، وإذا أظلم عليهم بالشدائد قاموا متحيرين مغمومين وصدوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ. وتحقيقه بعد العلم باختصاصه بالمنافقين أيضا لا عمومه للكافرين، وان ذهب إليه بعض المفسرين، والفرق بينه وبين ما قبله مع التفريق وتشبيه أحوال المنافقين فيهما أنه على ما قبله الصيب بإزاء إيمان المنافقين، والظلمات كفرهم المضمر، والرعد والبرق المخوّف خداعهم المصير النفع ضرّا، ونفاقهم لدفع المضرّة عنهم بإزاء جعل الأصابع في الآذان مع عدم إفادته، وتحيرهم في جهلهم بمصادفة برق يمشون فيه ثم يقفون، وأمّا على هذا فالصيب بإزاء الإيمان المحقق الخالص، والقرآن المجيد وما يفيده من المعارف التي يحيا بها كل قلب سليم حياة أبدية، كما أن من الماء كل شيء حيّ، وكون المنافقين أصحاب هذا الصيب مع عدم حصوله لهم، ولذا لم يضف إليهم في العبارة لتمكنهم منه وتلبسهم بما يضاهيه، ولأنهم قد أظلهم زمان حصوله كما يشير إليه قوله وسائر ما أوتي الإنسان دون ما أوتوا، والظلمات بإزاء الشبهات والرعد، اأس عد لتبشيره برحمة الغيث، والوعيد لإنذاره بنقمة الصواعق وما فيه من الآيات القرآنية ونعوته ألباهرة أي القاهرة للعقول بإزاء البرق الخاطف للأبصار أي الصارف عما سواه لو هداهم الله، وانصرافهم عن الاستماع والإذعان بإزاء سدّ الآذان عما يخاف من الوعيد واتقائه بما لا يفيد فإنّ الله محيط بالكافرين، وإنما أخره ومرضه لما في جعلهم أصحاب هذا الصيب من البعد الذي هو مع التقدير كالألغاز، وبعد تشبيه الوعد بالرعد، وتشبيه الآيات بالبرق، ومما ذكرناه علم غفلة من قال: إنه لم يتعرّض للتشبيه في قوله {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} وأنه يمكن أن يقال شبه قرب صرف الآيات أنظارهم عما كانوا يصرفونها إليه من حطام الدنيا والأباطيل بخطف البرق أبصارهم، وحياة الأرض بهجتها بنباتها وارتبكت بها الضمير في ارتبكت عائد على ما، وأنثه باعتبار معنى الشبه، وضمير بها للمعارف أو للمذكورات بأسرها، والمعارف جمع معرفة وهي معروفة، وفي بعض الحواشي صححه معاون بواو ونون في آخره جمع معونة من العون وهو اأظهير وفسره بالعون بتهيئة آلات المعارف، وارتبك بمعنى اختلط،
يقال ربكه ولبكه إذا خالطه ومازجه، والمبطلة وفي نسخة الطائفة المبطلة، وهم أهل البدع والضلالة المحاولون لإبطال الحق، واعترضت دونها أي حال بينها وبين الحق، والباهر الظاهر العجيب ويهوله بالتخفيف والتشديد أي يخوّفه. قوله:(وهو معنى قوله الله محيط إلخ) أي عدم خلاصهم مما يخافون، وقوله واهتزازهم أي وشبه اهتزازهم وهو في الأصل توالي الحركات في محل واحد، ويكنى به عن النشاط والفرح كما في قول ابن الرومي رحمه الله:
ذهب الذين يهزهم مدّاحهم هز الكماة عوالي المرّان
وهو المراد هنا ومن فسره بالحركة فقد قصر، وقوله: يلمع لهم من رشد بضم فسكون
أو بفتحتين ضد الغيّ، ولم! فه استعارة من لمعان البرق لظهوره ظهورا لا يثبت ويزول سريعا، ورفد بكسر الراء المهملة وسكون الفاء يليها دال مهملة معناه العطاء والشيء المعطى، وتطمح تنظر أو تنتظر يقال طمح بعينه إذا شخص بها، والمطرح موضع الطرح ثم عمّ لكل موضع، وتوقفهم في الأمر ترددهم فيه وهو مجاز من الوقوف شاع في هذا الصعنى إذا تعدّى بفي، وتوقف عن الأمر أمسك عنه ووقف الأمر على كذا علقه عليه، ووقف الميراث إلى الوضع أخره، فيختلف معناه باختلاف تعديه، وتعن يكسر العين المهملة وتشديد النون مضارع عن بمعنى ظهر أو طرأ، وعرض وبتوقفهم متعلق بشبه كقوله بمشيهم، وقوله ونبه أي نبه الله المؤمنين أو نبه كل من يتنبه وهو مما ينبغي التنبه له، وإن لم ينبهوا عليه لأنّ هذا التنبيه من تتمة التشبيه المفرّق، وارتباطه إنما هو به بل بالقيل الأخير ولولا هذا لم يكن لذكره وتأخيره إلى هنا محلى، وبيانه أنه لما كان في التشبيه على هذا إيماء إلى العقائد الحقة والمعارف الإلهية التي مدت نعمها على موائد الوجود