الأولى قراءة الحسن البصري والثانية قراءة إبراهيم بن أبي عبلة وقوله:(تنزيلاَ إلخ) إشارة إلى قول الزمخشري الذي جسرهم على ذلك والاتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر الجبل ومغيرة تنزل الكلمتين منزلة كلمة لكثرة استعمالهما مقترنتين، وأشف القراءتين أي أفضلهما قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للإعرابية التي هي أقوى، وعدل عنه المصنف رحمه الله لما فيه من الإشارة إلى أنّ القراءة تكون بالرأي، وسيأتي ردّه مع أنّ ما ذكره قد ردّ بأنّ الأكثر في اللغة جعل الثاني متبوعا وكون غير اللازمة تابعة أولى، وكون الحركة الإعرابية أقوى غير مسلم والإتباع يتعدّى إلى مفعول واحد وإلى اثنين واختلفوا في أنّ ما كان فاعلاَ له قبل الهمزة هل يصير مفعولاً أوّلاً أو ثانياً فيحتمل كون الدال تابعاً وعكسه فتدبر (بقي هنا شيء شريف) وهو أنّ الماتريدي في التأويلات جعل هذا حمداً من الله لنفسه قال: وانما حمد نفسه ليعلم الخلق فإن قيل كيف يجوز ومثله في الخلق غير محمود.
قيل إنه لوجهين:
أحدهما أنه استحق بذاته لا بأحد فيكون في ذلك تعريف الخلق لما يزلفهم لديه بما أثنى
على نفسه ليثنوا عليه وغير. إنما يكون ذلك لرئه عز وجل، فعليه توجيه الحمد إليه لا إلى نفسه إذ نفسه لا تستوجبه بها بل بالله تعالى.
والثاني أنه تعالى حقيق بذلك إذ لا عيب يمسه ولا آفة تحل به، فيدخل نقصاناً في ذلك،
ولا هو خاص بشيء والعبد لا يخلو عن عيوب تمسه، وآفات تحل به ويمدح بالايتمار ويذم بتركه وفي ذلك تمكن النقصان انتهى. يعني أنه لا يقاس على غيره فإنه تعالى متصف بالمحامد من ذاته فله أن يحمد ذاته بذاته، وأيضاً مدح النفس نهي عنه لما فيه من النقص والغرور والافتخار على الغير المؤذي لانكساره وهو منزه عنه، ولهذا لا يذمّ إذا سلم من ذلك كأن يكون تحدثا بالنعمة أو سبباً للاقتداء به، والحث على مثله مثلاً، فعلى الأوّل لا يسمى مادح نفسه حامداً، وعلى الثاني يصح والزمخشريّ لم يجعله حمداً لنفسه فقال: والمعنى تحمد الله حمداً، ولذلك قيل:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لأنه بيان لحمدهم له كأنه قيل كيف تحمدون فقيل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إلخ وقد قيل عليه إنه تعكيس، لأنّ جعل صدر الكلام متبوعا أولى من العكس والمحققون على تعميم الحمد، وانما ترك العاطف في قوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لأنّ الكلام الأوّل جار على مدح الغائب لاستحقاقه كل حمد، والثاني حكاية عن نفس الحامد من بيان أحواله بين يدي ذلك الغائب، فترك العاطف للفرق بين الحالتين لا للبيان وبدلّ عليه أنّ الالتفات إنما يكون في سياق واحد لمعلوم واحد وكأنه حين قرّر الالتفات نسي هذا.
وما بالعهد من قدم.
وفي هذا كلام طويل تركناه خوف السآمة، وكأنّ المصتف لم يتعرّض لهذا رأساً لما رأى
فيه من الاضطراب والخفاء، ولعل التوبة تفضي إلى بيانه أتم بيان إن شاء الله تعالى قوله:(الرث في الأصل إلخ) المراد بالأصل حالة وضعه الأوّل، فهو فيه مصدر أطلق على الفاعل مبالغة كما يقال: عدل بمعنى عادل بدون تأويل، ولا تقدير مضاف لأنه يفوتها، فالرب والتربية مترادفان، وربه يربه ورباه تربية بمعنى والتربية من ربى الصغير بالتخفيف كعلا يعلو إذا نشأ فعدى بالتضعيف، وقيل أصل رباه رببه فجعلت إحدى البا آت ياء والرت كما يكون بمعنى المربى يكون بمعنى المالك وقد فسر بهما، وعلى الأوّل قوله:{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} معنى جديد، وعلى الثاني تخصيص بعد تعميم قيل، وكلامه في الكشاف يميل إلى اختيار الثاني قوله:(وهي تبليغ الشيء إلى كماله إلخ) المراد بكماله ما يتمّ به الشيء في صفاته، ويطلق على الخروج من القوّة إلى الفعل والفرق بينه وبين المقام أنّ الثاني يشعر بالانقطاع كما قال:
إذا تم أمر بدا نقصه تيقن زوالاً إذا قيل تم
وقوله تعالى:{مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ}[الانفطار ٦] تفصيل لما دلّ عليه الرث فلا يقال إجراء هذه الصفات على الرت يقتضي عدم تضمنه لمعناها كما توهم وقوله: (شيئا فشيئاً) منصوب على الحال لأنّ المراد منه متدرجاً أو مترتباً وفيه إشارة إلى أنّ التفعيل يدلّ على التدريج كما صرّج به الزمخشري في قوله تعالى: {يَتَسَاءلُونَ}[النور ٣ آ] فقال أي قليلاً قليلاً، ونظيره تدرج وتدخل، وفي المثل درّج