ما تقرّر في الكلام من أنّ الممكن محتاج إلى السبب إلاً أنّ ذلك عند الفلاسفة، وبعض المتكلمين لا مكانه، وعند قدماء المتكلمين لحدوثه، وهو عبارة عن مسبوقية الوجود بالعدم، وليس هو نفس الوجود كما يتوهم وقيل هو الإمكان مع الحدوث، وقيل بشرط الحدوث وأدلتهم وابطال كل فريق ما ذهب إليه غير. مبسوطة في المطوّلات، وستأتي أيضا في محلّها وفي شرح المقاصد أنّ ما ذكر علة بحسب العقل بمعنى أنه ملاحظ الإمكان أو الحدوث فنحكم بالاحتياج كما يقال علة الحصول في التحيز هو التحيز لا بحسب الخارج بأن يتحقق الإمكان أو الحدوث فيوجد الاحتياج، فما ذكروه في الإبطالات مغالطة، والقول بأنه الإمكان أظهر وبالقبول أجدر، واعترض بأنه لو كان علة الاحتياج إلى المؤثر هو الإمكان أو الحدوث، وهما لازء، ن للممكن والحادث لزم
احتياجهما حالة البقاء له لدوام المعلول بدوام العلة واللازم باطل لأنّ التأثير حينئذ إمّا في الوجود وقد حصل بمجرّد وجود المؤثر فيلزم تحصيل الحاصل بحصول سابق، وأما في البقاء أو في أمر آخر متجدد وهو التأثير في غير الثاني أعني الممكن والحادث، فيلزم استغناؤهما عن المؤثر وفي كون الإمكان علة الاحتياج فساد آخر، وهو احتياح الممكن إلى المؤثر حال عدمه السابق مع أنه نفي محض أزليّ لا يعقل له مؤثر، وأجيب بأنّ معنى احتياج الممكن أو الحادث إلى المؤثر توقف حصول الوجود له أو العدم أو استمرارهما على تحقق أمر أو انتفائه بمعنى امتناعه بدون ذلك، وهو معنى دوام الأثر بدوام المؤثر، واذا تحققت فاستمرار الوجود أعني البقاء ليس إلاً وجودا مأخوذاً بالإضافة إلى الزمان الثاني، وصحة قولنا وجد ولم يبق ولم يستمر لا يدلّ على مغايرة البقاء لمطلق الوجود ولا نزاع في ذلك فتدبر قوله:(واجب لذاته) أي واجب ولازم وجوده من ذاته لذاته بحيث لا يستند لغيره، ويحتاج إليه قيل: هذا بناء على ما يقال بعد هذا الدليل، وهو مؤثر العالم إن كان واجب الوجود فهو المطلوب، والاً كان ممكنا فله مؤثر، ويعود الكلام فيه ويلزم الدور أو التسلسل أو الأنتهاء إلى مؤثر واجب الوجود. والأوّلان باطلان فتعين الثالث وهو مبنيّ على كون المحوج هو الإمكان وهو مختار المصثف رحمه الله تعالى في الطوالع، ومن حكم بأنه الحدوث، أو الإمكان معه، أو بشرطه انسدّ عليه باب إثبات الوأجب لجواز أن يكون علة الحوادث ممكنا قديما، ولا حاجة إلى سبب على هذا التقدير، ولذا من تمسك نجالحدوث في إثبات الصانع، ولم يجعل الإمكان وحده محوجا للمؤثر ما أثبت إلآ قديماً تنتهي إليه الحوادث كما صرّحوا به، وبهذا يظهر ضعف ما نقل هنا عن المصئف رحمه الله تعالى، وهو قوله لو قال بدل قوله لإمكانها لحدوثها، أو ضم له الحدوث كان أحسن لأنّ علة الافتقار هي الحدوث، أو الإمكان بشرط الحدوث أو كلاهما، ويجوز على بعد حمل كلام المصتف رحمه الله على ما يوافق مذهب المتكلمين بأن يقال أراد بالافتقار سببه المستلزم له وهو الحدوث، أو يقال جعل جهة الدلالة الإمكان والافتقار ولم يجعل الافتقار مسببا عنه وحده فلعله مسبب عنهما، والوجه ما تقذم.
(أقول (فيه بحث من وجوه:
الأوّل أنّ قوله ويلزم الدور إلخ. الأولى تركه لأنّ إثبات الواجب لا يتوقف برهانه على
ذلك كما فصل في الرسالة الجلالية وشروحها، إذ على تقدير التسلسل يقال مجموع الممكنات أيضا ممكن محتاج إلى مؤثر واجب الوجود لذاته، والحاصل أنّ كل فرد من الجوهر والعرض يدلّ على وجود الواجب، وهو ممكن مفتقر إلى مؤثر والمؤثر لا بذ أن يكون واجباً بلا واسطة، أو معه والأ تسلسل، وكل سلسلة أيضا ممكنة تحتاج إلى الواجب، وإلاً يلزم علة الشيءلنفسه.
اشية الشهاب / ج ا / م ١٠
الثافي أنّ ادّعاءه انسداد باب إثبات الصانع الواجب الوجود على ما ذكره غير مسلم لما مرّ
من كلام المحقق في شرح المقاصد أنّ هذ. العلة بحسب التعقل والتصديق لا بحسب الخارح فالمعلول، وهو قدم الصانع كذلك والقدم المتقرّر في العقل لا يتخلف فيقتضي وجوب الوجود.
ولذا قالوا ما ثبت قدمه استحال عدمه فهذه مغالطة أيضا.
الثالث أنّ ما نقله عن المصئف رحمه الله في حواشيه وادّعى سقوطه لقوّة ضعفه الظاهر
أنه ليس كما اذعاه، وأنّ المصتف رحمه الله مراده غير ما فهمه عنه، فإنّ مراده أنّ ما ذكره لا يناسب شيئاً من المذاهب المقرّرة في الكلام كما تلوناه عليك لأنّ أحداً لم يقل أنّ العلة الإمكان والافتقار، فلو بدل الإمكان بالحدوث، وعطف عليه الافتقار على أنه تفسير له