للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رأيت الكتاب المذكور، وفيه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: ٢٨] برفع الهاء ونصب الهمزة، وقد راح ذلك على أكثر المفسرين، ونسبوها إليه، وتكلفوا توجيهها، وأبو حنيفة رضي الله عنه بريء منها انتهى. فإيراد هذه القراءة غير لائق من الشيخين، ومن قال إنها قراءة حسنة لاحتمالها معنى القراءتين لجواز كونه من الملك والملك، وهذه الجملة صفة لموصوف تقديره اله ملك إلخ وهو بدل من المعرفة لوصفه، فقد زاد في الطنبور نغمة وذكر ما يحسن تركه، وقال أبو حيان: إنها جملة لا موضع لها، ويجوز أن تكون حالاً. قوله: (ومالكاً بالنصب على المدح إلخ) وفي بعض النسخ وملكا بدون ألف، وهي قراءة أيضا كما في حواشي الليثي، وقيل نصبه على الحال وفي التيسير أنه على النداء وهو بعيد، ولذا قيل أنّ غيره أولى منه لإفادته علية هذه الصفات للعبادة، فلذا تركه الأكثر، والمراد بالمدح تقدير أمدح ونحوه، وهو في عرف النحاة

في النعت بمعنى القطع إلا أنّ النكرة لا توصف بها المعرفة، فهو تسامح منه أو بناء على ما ذكره بعض النحاة من أنّ النعت المقطوع لا يلزم فيه موافقة منعوتة تعريفا وتنكيراً، وانما يلزم لو تبع منعوته وعلى تنوينه يوم ظرف أو مفعول به، وما قيل من أنه إذا نوّن رفعا ونصبا بألف ودونها منصوب على الظرفية لا غير لأنّ الصفة لا تعمل النصب، واسم الفاعل إنما يعمل بمعنى الحال أو الاستقبال، وصفاته تعالى أزلية ليس بشيء لأنّ نصبه على التوسع فيجوز عطلقا، وأيضا الأزلية لا تنافي العمل لشمولها للحال والاستقبال، وما ذكر غير متفق عليه. قوله: (ويوم الدين إلخ) الدين له معان كالعبادة والملة وسيأتي وقيل بين الدين والجزاء فرق، فإنّ الدين ما كان بقدر فعل المجازي والجزاء أعئم، واختار يوم الدين على غيره من أسماء القيامة رعاية للفاصلة وافادة للعموم، فإنّ الجزاء يتناول جميع أحوال الآخرة إلى الأبد وكما تدين تدان معناه كما تفعل تجازى، وهو من المشاكلة إلا أنه قذم فيه المشاكل وهو جائز وان كان المشهور خلافه كما في البيت، وقد قرّره شرّاج المفتاح في قوله:

أوما إلى الكوماء هذاطارق نحرتني الأعداء إن لم تنحر

وقيل معناه كما تجازي غيرك تجازى، فلا مشاكلة فيه، وهو مثل أوّل من قاله خالد بن نفيل، وله قصة في مجمع الأمثال، وقد تمثل به النبيّ تعليم في حديث رواه أبو الدرداء وهو " البرّ لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا يموت فكن كما شئت كما تدين تدان ") ١ (. وفي التوراة ما معناه كما تدين تدان، وكما تزرع تحصد وفي الإنجيل كما تدين تدان وكما تكيل تكتال، والجارّ والمجرور أو الكاف فيه صفة مصدر مقدّر أي دينا مثل دينك. قوله: (وبيت الحماسة إلخ) أي ومنه بيت الحماسة وأصل معنى الحماسة الشدة والشجاعة وهو اسم الكتاب المعروف لأبي تمام الطائي والشعر المذكور من قصيدة في حرب البسوس لشاعر يسمى الفند الزماني وأوّلها:

صفحنا عن أبي ذهل ولخا القوم إخوان

ولم يبق سوى العدوا ~ ن دناهم كما دانوا

وقوله دناهم جواب لما، والعدوان بضم العين الظلم، وبقية القصيدة، والكلام عليها في

شرح المرزوقي وغيره. قوله: (وأضاف اسم الفاعل إلخ) الظرف إمّا متصرّف، وهو الذي لا يلزم الظرفية، أو غير متصرّف، وهو مقابله، والأوّل كيوم والليلة فلك أن تتوسع فيهما بأن ترفع، أو تجرّأ وتنصب من غير أن يقدر فيه معنى في، فيجري مجرى المفعول به لتساويهما في عدم تقدبر في فيهما، فإذا قلت سرت اليوم كان منصوباً انتصاب زيد في نحو ضربت زيدا ويجري سرت مجرى ضربت في التعدي مجازا، لأنّ السير لا يؤثر في اليوم تأثير الضرب في زيد، ولا يخرج بذلك عن معنى الظرفية، ولذا يتعذى إليه الفعل اللازم ولا يظهر الفرق في الاسم الظاهر، وإنما يظهر في الضمير لأنك إذا أضمرت في قلت سرت فيه، والا قلت سرته كما في بيت الكتاب:

ويوم شهدناه سليما وعامرا قليل سوى طعن النهار نوافله

واذا توسع في الظرف إن كان فعله غير متعد صار متعديا، وان كان متعدّيا إلى واحد

صار متعذيا إلى اثنين

<<  <  ج: ص:  >  >>