للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لقولِه تعالى: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البَقَرَة: ٢٨٢]، قال ابنُ عباسٍ وغيرُه: المرادُ به التَّحمُّل للشَّهادةِ، وإثباتُها عندَ الحاكمِ. أخرجَه ابنُ جريرٍ الطبريُّ في تفسيره.

ولأنَّ الحاجةَ تَدعُو إلى ذلك؛ لإثباتِ الحُقوقِ والعُقودِ، فكان واجبًا، كالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكَرِ.

مسألة: أداءُ الشَّهادةِ فرضُ عينٍ على مَنْ تَحمَّلها متَى دُعِيَ إليه؛ لقولِه تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البَقَرَة: ٢٨٣]، إنْ قَدَر على أَدائِها بلا ضَررٍ يَلحَقه في بَدَنِه أو عِرضِه أو مالِه أو أَهلِه؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البَقَرَة: ٢٨٢].

ولا يَحِلُّ كِتمانُ الشَّهادةِ؛ لقولِه تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البَقَرَة: ٢٨٣]، وهذا وَعيدٌ يُوجِب عدمَ الكِتمانِ مع انتفاءِ الضَّررِ، ومتَى وَجبَت الشَّهادةُ لَزِم كِتابتُها إذا خَشِيَ نِسيانَها، ويَحرُم أَخذُ الأجرةِ، إلاّ مع الحاجةِ، لكنْ إنْ عَجَز عن المَشْيِ، أو تأَذَّى به، فلَه أُجرةُ مَركوبٍ، والنَّفقةُ.

ولا يَحِلُّ أنْ يَشهَد أَحدٌ إلاّ بِما يَعلمُه، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسرَاء: ٣٦]، وقال: ﴿إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [الزّخرُف: ٨٦]، أي: يَعلمُ ما شَهِد به عن بَصيرةٍ وإيقانٍ.

والعلمُ إمَّا برُؤيةٍ أو سماعٍ مِنْ مَشهودٍ عليه، كبَيعٍ، وطلاقٍ، وغيرِ ذلك، أو سماعٍ باستِفاضةٍ فِيما يَتعذَّر عِلمُه غالبًا بِدُونِها، كنَسَبٍ، وموتٍ، ومِلكٍ مُطلَقٍ، ونكاحٍ عَقدِه ودَوامِه، ووَقفٍ، ونحوِها، كعِتقٍ وخُلعٍ.

ولا يَشهدُ باستِفاضةٍ إلاّ عن عَددٍ يَقَع بهم العلمُ.

<<  <   >  >>