للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإنْ سَفَلُوا بَعضُهم لِبَعضٍ إلاّ مع التُّهَمةِ؛ لِلعُموماتِ، ولِما تَقدَّم عن عمرَ .

ولِما رُوِي عن الزُّهريِّ أنه قال: "لم يَكُنْ يُتَّهم سَلفُ المسلِمينَ الصالحُ في شَهادةِ الوالدِ لوَلَدِه، ولا الولَدِ لوالِدِه، ولا الأخِ لأَخِيه، ولا الزَّوجِ لامرَأتِه، ثم دَخَل الناسُ بعدَ ذلك فظَهَرَت منهم أُمورٌ حَملَت الوُلَاةَ على اتِّهامِهم، فتُرِكَت شهادةُ مَنْ يُتَّهم إذا كانَت مِنْ قرابةٍ".

قال ابنُ حزمٍ: "وهذا إخبارٌ عن إجماعِ الصحابةِ ، فكَيفَ استَجازُوا خِلافَهم لِظَنٍّ فاسدٍ مِنْ المتأخِّرينَ". وقال عمرُ: "أو ظَنِينًا في وَلاءٍ أو قَرابةٍ"، والظَّنِينُ: المُتَّهمُ، والشَّهادةُ تُرَدُّ بالتُّهَمةِ، ودلَّ هذا على أنَّها لا تُرَدُّ بالقَرابةِ، وإنَّما تُرَدُّ بتُهَمَتِها.

قال ابنُ القيِّمِ في إعلامِ الموقِّعين: "وكذلك شَهادةُ القريبِ لِقَريبِه لا تُقبَل مع التُّهَمةِ وتُقبَل بدُونِها، هذا هو الصَّحيحُ".

وقال: "الصَّحيحُ أنَّها تُقبَل شَهادةُ الابنِ لأَبِيه، والأبِ لابنِه فِيما لا تُهَمةَ فيه، نصَّ عليه، والتُّهَمةُ وَحدَها مُستَقِلَّةٌ بالمنعِ سواءٌ كان قَريبًا أو أَجنبيًّا، فشَهادةُ القَريبِ لا تُرَدُّ بالقَرابةِ وإنَّما تُرَدُّ تُهَمَتُها، ولا رَيبَ في دُخولِهم في قولِه تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطّلَاق: ٢]، وقال: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المَائدة: ١٠٦]، هذا مِمَّا لا يُمكِن دَفعُه، ولم يَستَثنِ اللهُ ولا رسولُه مِنْ ذلك لا أبًا ولا وَلدًا، ولا أخًا ولا قَرابةً، ولا أَجمَع المسلِمونَ على استِثناءِ أَحدٍ مِنْ هؤلاءِ، وإنَّما التُّهَمةُ هي الوَصفُ المؤثِّرُ في الحُكمِ، فيَجِب تَعليقُ الحُكمِ به وُجودًا وعَدَمًا".

مسألة: في عَددِ الشُّهودِ.

<<  <   >  >>