للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولأنَّ اللهَ تعالى لم يَأمُرْ برَدِّ خبرِ الفاسِقِ، بل أَمَر بالتَّثبُّتِ منه هل هو صادقٌ أو كاذبٌ؟ فإنْ كان صادقًا قُبِل قَولُه وعُمِل به، وفِسقُه عليه، وإنْ كان كاذبًا رُدَّ خَبرُه ولم يُلتَفَت إليه.

فرعٌ: تُقبَل شهادةُ الأخرسِ، إذا فُهِمَت إشارتُه؛ لأنَّ الشَّهادةَ يُعتَبر فيها اليَقينُ، أو أَدَّاها الأخرسُ بخَطِّه فتُقبَل؛ لقولِه تعالى: ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا﴾ [آل عِمرَان: ٤١]، والرَّمزُ في هذه الآيةِ مُستَثنى مِنْ الكلامِ استِثناءً مُتَّصِلاً، ومِن المُقرَّرِ أنَّ المُستَثنَى مِنْ جِنسِ المُستَثنَى منه، فدلَّ ذلك على أنَّ الرَّمزَ وهو الإشارةُ مِنْ الكلامِ، فيُعطَى حُكمَ الكلامِ.

ولِما روَى البخاريُّ عن عائشةَ أنَّها قالَت: "صلَّى رسولُ اللِه في بَيتِه وهو شاكٌّ فصلَّى جالسًا وصلَّى وَراءَه قومٌ قيامًا، فأشارَ إليهم أنْ اجْلِسوا". رَواه البخاريُّ ومسلمٌ.

فدلَّ على أنَّ الإشارةَ طَريقٌ يَحصُل به العلمُ.

وتُقبَل شَهادةُ الأَعمَى فِيما طريقُه السَّماعُ مُطلَقًا؛ لِعُمومِ آياتِ الشَّهادةِ، ومنها قولُه تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [البَقَرَة: ٢٨٢].

ولِما روَى البخاريُّ ومسلمٌ، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ قال النبيُّ : «إنَّ بِلالاً يُؤذِّن بِلَيلٍ، فكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يُؤذِّنَ»، أو قال: «حتَّى تَسمعُوا أذانَ ابنِ أمِّ مَكتومٍ».

فإنَّ النبيَّ أَمَر بالإمساكِ اعتمادًا على سَماعِ أَذانِ ابنِ أمِّ مَكتومٍ وهو رَجلٌ ضَريرٌ.

ولا تُشتَرطُ الحُريَّةُ فتُقبَل شَهادةُ عبدٍ وأَمَةٍ في كلِّ ما يُقبَل فيه حُرٌّ وحُرَّةٌ.

مسألة: تُقبَل شَهادةُ عَمودَي النَّسبِ، وهُم: الآباءُ وإنْ عَلَوا، والأَولادُ

<<  <   >  >>