للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَنْ قَبلَكُم مِنْ الأُمَمِ السَّالِفة. ﴿تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البَقَرَة: ١٧٨] يَقولُ: تَخفيفٌ مِنِّي لكُم مِمَّا كُنْتُ ثَقَّلتُه على غَيرِكم، بِتَحريمِ ذلك عليهِم. ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ [آل عِمرَان: ١٥٧] مِنِّي لكُم.

فعَن ابنِ عباسٍ: "كان مَنْ قَبلَكم يَقتُلون القاتلَ بالقَتيلِ، لا تُقبَل منهم الدِّيَةُ فأنزلَ اللهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ﴾ [البَقَرَة: ١٧٨] إلى آخِرِ الآيةِ: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البَقَرَة: ١٧٨] يَقولُ خفَّفَ عنكُم، وكان على مَنْ قَبلَكُم أنَّ الدِّيَةَ لم تَكُنْ تُقبَلُ، والذي يَقْبَلُ الدِّيَةُ، ذلك منه عَفوٌ".

مسألة: كُلُّ مَنْ أَتلفَ إنسانًا بمُباشرةٍ أو سَببٍ -كأنْ حفَرَ بِئرًا مُحرَّمًا حَفرُه في طريقٍ ضيِّقٍ، أو وَضَعَ حَجَرًا، أو قِشرَ بِطِّيخٍ، أو ماءً بفِنائِه أو طريقٍ، ونحو ذلك-؛ لَزِمَتْه دِيَتُه؛ لقولِه تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾ [النِّسَاء: ٩٢].

مسألة: إذا اجتَمعَ مُباشرٌ ومُتسبِّبٌ، فلا يَخلُو من ثلاثة أقسام:

الأولُ: إذا اجتمعَ المُباشِرُ والمتسبِّبُ، ولم تَكُنْ المباشَرةُ مبنِيَّةً على السَّببِ فالضَّمانُ على المباشِرِ، مِثلُ: إذا حفَرَ بِئرًا عُدوانًا، فدفعَ آخَرُ فيها آدميًّا مَعصومًا أو مالاً لِمعصومٍ فتَلِفَ، فالضَّمانُ على المباشِرِ وَحْدَه.

الثَّاني: إذا اجتمعَت المباشَرَةُ والسَّببُ، وكانت المباشرةُ مبنِيَّةً على السَّببِ، ولم يَكُنْ مِنْ المباشرةِ عُدوانٌ؛ تعلَّقَت المسؤوليَّةُ بالسَّببِ، دونَ المباشرةِ، مِثلُ: إذا قَدَّم طعامًا مَسمومًا عالمًا به إلى مَنْ لا يَعلَم أنه مَسمومٌ فأَكلَه فمات، فالمسؤوليَّةُ على المتسبِّبِ وهو المُقدِّم للطَّعامِ، لأنَّ القَتلَ مَبنيٌّ على السَّببِ وهو تَقديمُ الطَّعامِ المسمومِ، وليس مِنْ المباشِرِ وهو الآكِلُ عُدوان.

<<  <   >  >>