للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وتَعجيل الدِّيَةِ وتأجيلُها على العاقلةِ بحسَبِ الحالِ والمصلحةِ فإنْ كانوا مَياسِيرَ ولا ضررَ عليهم في التَّعجيلِ أُخذَت حالَّةً، وإنْ كان في ذلك مشقَّةٌ جُعلَت مؤجَّلةً حسَبَ ما يَراه القاضِي.

ويَجتهد الحاكمُ في تَحميلِ كلٍّ منهم ما يَسهُل عليه، ويَبدأ بالأَقربِ فالأَقربِ، وتُؤخذ مِنْ بعيدٍ لغَيبةِ قريبٍ، ويُؤخذ مِنْ الغنيِّ بقَدْرِه، ومِن دونِه بقَدْرِه على قَدْرِ طاقتِه في اليُسْرِ؛ لقولِه تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البَقَرَة: ١٨٥]، وقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البَقَرَة: ٢٨٦].

لأنَّ النبيَّ كما في حديثِ أَبي هريرةَ قضَى بالدِّيَةِ على العاقلةِ، ولم يُحدِّد مِقدارًا معيَّنًا على كلِّ فردٍ منها، فوجَب أنْ يَحملَ كلُّ فردٍ ما يُطيق، وما كان هذا سَبيلَه، فالرُّجوع فيه إلى القاضِي، قال في الشَّرحِ الكبيرِ (٩/ ٦٦١): "وجُملةُ ذلك أنه يَبدأ في قِسمةِ الدِّيَةِ بين العاقلةِ، الأقربُ فالأقربُ، فيَقسم على الإخوةِ وبَنِيهِم، والأعمامِ وبَنِيهِم، ثم أعمامِ الأبِ ثم بَنِيهِم، ثم أعمامِ الجَدِّ ثم بَنِيهِم، كذلك أبدًا، حتى إذا انقرَضَ النَّاسِبون، فعلى المَولَى المعتِقِ ثم على عَصَباتِه، ثم على مَولَى المَولَى، ثم على عَصَباتِه، الأقربُ فالأقربُ، كالميراثِ سَواءً، وإنْ قلنا الآباءُ والأبناءُ مِنْ العاقلةِ بُدِئَ بهم؛ لأنهم أقربُ، ومتى اتَّسعَت أموالُ قومٍ للعَقلِ لم يَعْدُهم إلى مَنْ بَعدَهم؛ لأنه حقٌّ يُستحَقُّ بالتِّعصيبِ، فقُدِّم الأقربُ فالأقربُ، كالميراثِ ووِلايةِ النِّكاحِ". مسألة: مَنْ لا عاقلةَ له، أو له وعَجَزَت، فإنْ كانَ كافرًا فالدِّيَةُ عليه، وإنْ كانَ مسلمًا فمِن بيتِ المالِ حالَّةً إنْ أَمكَن، فعَن سهلِ بنِ أَبي حَثْمةَ أَخبَر: "أنَّ نَفَرًا مِنْ قومِه انطلَقوا إلى خَيبرَ فتفرَّقوا فيها ووَجدُوا أحدَهم قَتيلاً … فكَرِه النبيُّ أنَّ يُطَلَّ دُمَه، فوَدَاه مائةً مِنْ إبِلِ الصَّدقةِ". متَّفق عليه.

<<  <   >  >>