قال عطاء السلمي مررت ذات يوم في بعض أزقة الكوفة فرأيت عليان المجنون واقفاً على طبيب يضحك منه ومالي عهد كان بضحكه، فقلت له ما أضحكك؟ قال هذا السقيم العليل الذي يداوي غيره وهو مسقام، قلت فهل تعرف له دواء ينجيه مما هو فيه؟ قال شربة ان شربها رجوت برأه، فقلت صفها، قال خذ ورق الفقر وعرق الصبر واهليلج التواضع وبليلج المعرفة وغار يقون الفكرة، فدقها دقاً ناعماً بهاون الندم واجعله في طنجير التقى، وصب عليه ماء الحياة وأوقد تحتها حطب المحبة حتى ترمي الزبد ثم أفرغها في جام الرضا وروحها بمروحة الحمد واجعلها في قدح الفكرة وذقها بملعقة الاستغفار، فلن تعود إلى المعصية أبداً.
قال ذو النون المصري رأيت في منامي كأن قائلاً قال لي إن في دير هرقل حكيماً من الحكماء أفلا تقصده؟ فقلت شأنك، قال أفلا اكترى لك حماراً أو بغلاً قلت لا، قال امش معي فإن الله سبحانه يقوينا على ذلك، وكان بيننا وبين الدير عشرون فرسخاً، فمشيت معه نتحدث، فأصبحنا ونحن على باب الدير كأنا لم نمش إلا يسيراً، فدخلنا الدير فسألنا عنه فقالوا لا نعرف إلا معتوهاً أو ممروراً أو مريضاً، قال ذو النون إنه وصف لنا ها هنا حكيم، قال صاحب الدير أيكما أحق بالحبس وشرب الدواء من هؤلاء؟ ما يصنع الحكيم في دير هرقل؟ قلنا فاذن لنا في النظر إليهم، قال شأنكما، فما من محبوس إلا تعرضنا له فما سمعنا ما دل على غرابة عقولهم حتى بلغنا إلى أقصى مقصورة فيها، فرأينا رجلاً مغلولاً مقيداً قد شد بسلسلة إلى حجر كبير، قال ذو النون فتعرضت له فقال قل خيراً تغنم أو اسكت تسلم، فسلمت عليه، فرد، فقلت له ما اسمك قال اسمي علي وأعرف بعليان الكوفي، قلت له أنت عليان الكوفي؟ قال نعم، قلت فمن حبسك ها هنا؟ قال الحب ينطق والحياء يسكت والحرق يقلق، فتغير لوني وارتعدت فرائصي، فقلت يا علي ما طيب العيش قال إذا قذف بك في عين الأنس فكلك معه، قلت يا علي فما بلغ بك ما أرى؟ قال كنت عاقلاً ظريفاً وكان المدبر والسايس غيري وأنا منبوذ بين كنفه وعطفه فإن شاء عفا وإن شاء عاقب وإن شاء أبلى وإن شاء عافى وهو الفعال لما يريد، وان الطبيعة النقية يكفيها من العظمة اللمحة ومن الحكم الإشارة إليها، قلت فإن أسترشدك، قال إن