وحقَّ عليهم ألَّا يحتجروا على الناس ويمنعوهم أرض اللَّه الواسعة؛ فما أظلم فراش الأمير وغيره إذا جاء إلى ناحية من الفضاء، فوجد فقيرًا قد سبق إليها، ونزل فيها، فأقامه منها، ليخيم للأمير مكانه. وحكم اللَّه أن السابق أولى، والأمير والمأمور في ذلك سواء.
المثال الثالث والتسعون
البابا (١): ومن حقِّه أن يحرص على إزالة نجاسة الثياب عند غسلها، فيحترز من البول والغائط والمذْي والدم ونحو ذلك؛ فإنه متى لاقى شيء منها بدن الإنسان أو ثوبه لم تصح معه صلاته. فإن علمه البابا في ثوب شخص ولم يُزله بقي ذلك في ذمَّته. فعليه إفاضة الماء في محل النجاسة، بحيث تضمحلّ، ويذهب طعمها، وكذلك لونها وريحها، إلَّا أن يعلَق اللَّون بالمحلّ كالدم، فيعفى عنه. وأمَّا بول الغلام الرضيع فيكفي فيه رش الماء. وأمَّا دم البراغيث والجراحات البدنية، والدمامل واليسير من طين الشوارع فمعفو عنه. وإذا غسل البابا ذلك كله فهو أولى وأحرى.
المثال الرابع والتسعون
الشرَبْدار: ومن حقِّه أن يحترز فيما يسقيه لمخدومه من وصول شيء إليه ينجِّسه أو يقذِّره. وإيَّاه أن يسقيه محرَّمًا. ويا ويحه إن سقاه سمًّا قاتلًا. ويحافظ على النظافة في أوانيه وثيابه، والرائحة الطيبة فيها ما أمكنه.
(١) البابا. لقب لمن يتعاطى الغسل والصقل للثياب وغير ذلك. وهو لفظ رومي معناه الأب، وكأنَّه لقب بذلك لأنه لما تعاطى ما فيه ترفيه مخدومه، من تنظيف قماشه وتحسين هيئته أشبه الأب الشفيق. عن صبح الأعشى ج ٥ ص ٤٧٠.