معصيته. فليس من شكر النعمة أن تهملها وتشكر على وجه غير الوجه الذي عليه بُنيت. فمن عَدَلَ عنها إلى نوعٍ آخر من الشكر فقد قصَّر، وترك الأهم. وإنَّما الرشيد من جمعَ بين الأمرين. فإن كان لا بدَّ من التفرقة فالأنسب استعمال كل نعمة فيما خلقت له، وهذا يتَّضح بأمثلة:
المثال الأول
من شكرَ نعمة العينين أن تستركل عيب تراه لمسلم وتغضّهما عن كل قبيح إلى غير ذلك من أحكام النظر. فإن أنتَ أخذت تصلِّي كل ليلة ركعتين على شكر نعمة العينين؛ وأنت مع ذلك تستعملهما في النظر إلى المحرَّم، فلستَ بشاكرٍ هذه النعمة حقَّ شكرها.
المثال الثاني
من شكرَ نعمة الأذنين ألَّا تسمع حرامًا، وأن تستر كل عيب تسمعه. فإن أنت تصدَّقت بدرهمين شكرًا للَّه تعالى على نعمة الأذنين وهتكتَ كل قبيح سمعته وأصغيت إلى كلِّ حرامٍ وَعَيته فلستَ من الشاكرين.
المثال الثالث
وهو يشمل الخليفة فمن دونه من السلطان ونوَّابه والقضاة وسائر أرباب الأمور. وسنخصّ لكل فرد منهم مثالًا.
إذا ولَّاك اللَّه تعالى أمرًا على الخلق فعليك البحث عن الرعيَّة، والعدلَ بينهم في القضية، والحكم فيهم بالسويّة، ومجانبة الهوى والميل، وعدم سماع بعضهم في بعض، إلَّا أن يأتي بحجة مبينة وعدم الركون إلى الأسبق. فإن وجدت نفسك تصغي إلى الأسبق وتميلُ إلى صدقه؛ فاعلم أنك ظالم للخلق، وأنَّ قلبك إلى الآن متقلّب مع الأغراض يُميله الهوى كيف شاء. وإن وجدت الأسبق والآخر سواء إلَّا من جاء بحق فأنت أنت. وقد اعتبرتُ كثيرًا من الأتراك فوجدتهم يميلون إلى أول شاكّ. وما ذاك إلَّا للغفلة المستولية على قلوبهم، التي