ناظر الوقف ونحوه من المباشرين: ومن حقِّه العمارة والتنمية، وقول الأصحاب: إنَّ ولي اليتيم لا تجب عليه المبالغة في الاستنماء، وإنَّما الواجب أن يستنمي قدر ما لا تأكل النفقةُ والمؤن المالَ صحيح. ولكن الزيادة من شكر النعمة. وممَّا تعمّ به البلوى مدرسة غير محصور عدد فقهائها، فتزلّ القاضي أو الناظر فيها أشخاصًا وقرَّر لهم من المعلوم ما يستوعب قدر الارتفاع (١)، فهل يجوز تنزيل زائد؟ قال ابن الرفعة: لا يجوز، قال الشيخ الإمام: وهو الذي استقرَّ عليه رأيي، بشرط أن يكون في مدرسة قرَّر للفقيه مثلًا قدر معيَّن. أمَّا لو قُرِّرَ عشرة فقهاء مثلًا ولم يُنَصَّ في معاليمهم على قدر ولا جزء معيّن من أصل الوقف -وهو غالب مِا يقع في المدارس التي ليست بمحصورة- فلا يمتنع. ومنه ناظر وقف يُؤْجِر حانوتًا أو نحوه خرابًا بشرط أن يعمره المستأجر بماله، ويكون ما أنفقه محسوبًا من أجرته. وهذه الإجارة باطلة؛ لأنه عند الإجارة غير منتفَع به. أمَّا إن كان الحانوت منتفعًا به فآجره بأجرة معلومة، ثم أَذن للمستأجر في صرفها إلى العمارة جاز، صرّح به الرافعي في أوائل الإجارة. ولا يجوز إجارة الحمَّام بشرط أن تكون مدة تعطّله بسبب عمارة أو نحوها محسوبة على المستأجر لا على المؤجر.
المثال الرابع والأربعون
وكيل بيت المال: فمن حقِّه ألَّا يبيع من أملاك بيت المال ما المصلحة في بقائه، ولا يبيعَ إلَّا بغبطة ظاهرة، أو حاجة، كما في البيع على اليتامى. وكثر في زماننا من وكلاء بيت المال من يبيع من الشارع ما يفضُل عن حاجة المسلمين؛ وقد أفتى ابن الرفعة والشيخ الإمام الوالد رحمهما اللَّه بأن ذلك حرام. وفقهاء العصر يتردَّدون في انعزال وكيل بيت المال بانعزال الإمام الأعظم أو موته، وكان الشيخ الإمام يرى أنه لا ينعزل بذلك.
(١) يريد ريع الوقف وما يتحصَّل من غلته. ويُقال له في هذه الأيام: الإيراد.