لا أنقذه؛ فإنه في الخرا إلى الحَلْق، ولا يدع الفضول. حكاها صاحب البصائر.
ومنهم من غلَب عليه معرفةُ الأوزان، حتى حُكي أن امرأة جاءت إلى عروضيّ بَقّال؛ فقالت: أريد بذي القطعة زيتًا وبذي البيضة حنّا فشغله كلامها عن مبايعتها، وأخذ يقطِّعه، ويقول:
وبذي القطعة زيتًا، فاعلاتن فاعلاتن.
فقالت المرأة: أمّه الفاعلة. وسبّته، وانصرفت.
فهذه تنبيهات على ما يستقبح ويُستهجن من علماء هذا الزمان. والغرض بها أنَّه ينبغي لكل ذي فنّ أن يتخذه سبيلًا إلى النجاة، ومِرْقاةً إلى الزُّلفى عند اللَّه تعالى لا صنعة يتهوَّس بها بل مرقاة يتوصَّل بها إلى الملإِ الأعلى.
وحيث عمَّمنا العلماء فلنخصّ أرباب الوظائف بالذكر.
المثال السابع والأربعون
المفتي: وقد خصَّ جماعة كتاب أدب الفتيا بالتصنيف، وذكر الفقهاء ما لا طائلَ في إعادته؛ لكنَّا ننبّه على ما كثر في بعض المفتين فنقول:
منهم من يسهِّل أمر الشرع، ويتناهى إلى أن يُفتي ببعض ما لا يعتقده من المذاهب، ويرخِّص لبعض الأمراء ما لم يرخص فيه لعموم الخلق بعض العلماء؛ فيقول مثلًا لمن سأله عن انتقاض الوضوء بمسِّ الذكر: لا ينتقض عند أبي حنيفة، وعن لعب الشطرنج، وأكل لحوم الخيل: حلالٌ عند الشافعي، وعن مجاوزة الحد في التعزيرات: جائز عند مالك، وعن بيع الوقف إذا خرب وتعطَّلت منفعته، ولم يكن له ما يعمر به: حلال عند أحمد بن حنبل، وهكذا. فليتَ شعري: بأي مذهب أفتى هذا الفتي؟! وعلى أيّ طريقة جرى؟! وبأي إمام يتعلَّق؟! فلقد ركَّب لنفسه بمجموع هذه الأمور مذهبًا لم يقله أحد. فإن قلت: أليس ذهب بعضهم إلى جواز تتبّع الرخص؟ قلت: ذلك على ضعفه لا يوجب إغراء السَّفِلة بدين اللَّه تعالى، وتخصيص الأمراء دون غيرهم. وقائل هذه