الممكن أن يُخرس لسانه فيعجز عن السؤال، أو يقعده فيعجز عن السعي، أو يقطع يديه فيعجز عن مدَّهما، إلى غير ذلك. فعليه ألَّا يُلحّ في المسألة؛ بل يتَّقي اللَّه تعالى، ويُجمل في الطلب. وكثير من الحرافيش اتَّخذوا السؤال صناعة: فيسألون من غير حاجة، ويقعدون على أبواب المساجد يشحذون المصلّين، ولا يدخلون للصلاة معهم. ومنهم من يقسم على الناس في سؤاله بما تقشعرّ الجلود عند ذكره. وكل ذلك منكر. وبعضهم يستغيث بأعلى صوته: لوجه اللَّه فَلْس. وقد جاء في الحديث:"لا يسأل بوجه اللَّه إلَّا الجنَّة" وبعضهم يقول: بشيبة أبي بكر فلس. فانظر ماذا يسألون من الحقير، وبماذا يستشفعون من العظيم، ويراهم اليهود والنصارى، ويرون المسلمين ربَّما لم يعطوهم شيئًا، فيَشمَتون ويسخرون؛ وربَّما كان المسلم معذورًا في المنع، والكافر لا يفهم إلَّا أنَّ المسلمين لا يكترثون بذلك. فرأيي في مثل هذا الشحَّاذ أن يؤدَّب حتى يرجع عن ذكر وجه اللَّه تعالى، وذكر شيبة أبي بكر الصدِّيق رضي اللَّه عنه، ونحو ذلك، في هذا المقام. ومنهم من يكشف عورته ويمشي عُريانًا بين الناس، يوهم أنَّه لا يجد ما يستر عورته، إلى غير ذلك من حِيَلهم ومَكْرهم وخديعتهم.
ولقد أطلنا في ذكر هذه الأمثلة بحيث إنها تحتمل مصنَّفًا مستقلًّا.