للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتسخّط بسبب ما أصابه. فأتاه آتٍ، فقال: أيُّها الملك، إنَّ لي صاحبًا أودعني جوهرة، فكانت عندي مدة. أتلذَّذ برؤيتها. ثم إنَّه استرجعها، وأنا أسالك طلبه، وإلزامه بإعادة الإِيداع. فقال له: كيف أُلزمه بأن يودع ما له عندك؛ فقال له: فاللَّه أودع عندك ولدًا لك هذه المدة، ثم استردَّه، فلِمَ هذا التسخُّط، فانشرح صدر الملك، ورفع العَزاء. وأنشد بعضهم:

وما المال والأهلون إلا وديعة ... ولا بد يومًا أن تُرَدّ الودائع

فإن قلت: قد يزيلها زيادةً في رفعِ الدرجات، فاعلم أنَّ هذا مقام عَسِر، لم تصل أنت إليه، فليسرع كلامي مع أهل هذه الطبقة؛ إنَّما كلامي مع جمهور أهل هذا الزمان، الذي اندفعنا إليه. ولو كان كلامي مع أهل هذا المقام لقلت لهم: تلك نعمة تبدَّلت بأعظم منها؛ ولا يقال: إنَّها زالت. ولهذا شرح طويل ليس من غرض هذا الكتاب.

فهذه واحدة من الأمور الثلاث، التي بمجموعها تعود النعمة وتزول النقمة.

الأمر الثاني في فوائد انزوائها؛ فنقول: قد تعترف بالأمر الأوَّل، وتذعن له، ولكن تقول في نفسك: إنَّه لا خير لي في هذه المحنة، وليت النعمة لم تَزل، وإن كنت أنا السبب في زوالها. فإن أنت اختلجَ في ضميرك هذا، فاعلم أنَّك لم توفِ الشكر حقه، ولم تحسن السعي في عَوْدها، وكنتَ كمن يأتي البيوت من غير أبوابها، ويلج الدور بدون حُجّابها، فامح ما في نفسك، وارجع إلى حسك، واعلم أنَّ المحنة من اللَّه تعالى، ليست من أحد غيره. وهذا كما عرَّفناك في النعمة سواء. فأوَّل ما تعتقده أنَّ اللَّه تعالى هو الفاعل بك ذلك؛ لتمرُّدك، وطغيانك. وإن أنت ظننت في أحد من الخلق أنَّه الفاعل بك هذا فهذه زَلّة عظيمة يُخشى عليك منها دوامُ المحنة. فإذا اعتقدت ذلك، وتلقَّيت المحنَة من اللَّه تعالى فهذه نعمة تورث عندك الفرح بالمصيبة. ثم انظر في نفسك: أمؤمنٌ أنت أم كافر؟ فإن كنت كافرًا فمصيبتك بالكفر أشدّ من سائر المصائب، فابك على تلك المصيبة، وبادر إلى زوالها ودع عنكَ الفكرة فيما عداها. وإن كنت مؤمنًا فاعلم أنَّ ما لاقاك به الدهر هو ديدنه وعادته في حقّ

<<  <   >  >>