للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا شكَّ أنَّ لنا قدرًا رأوه، وما ... لقدرهم عندنا قدر، ولا لهم

هم الوحوش ونحن الإنس حِكْمَتنا ... تقودهم حيث ما شئنا وهم نعم

وليس شيء سوى الإهمال يقطعنا ... عنهم، فإنَّهم وجدانهم عدم

لنا المريحان: من علمٍ ومن عَدَم ... وفيهم المتعِبان: الجهل والحَشَم

فإذا استقرَّت هذه القاعدة عندك ازددت انشراحًا بالمصيبة وتسلّيًا عنها؛ ثم ابحث تجده أيضًا بقضاء اللَّه وقدره وإرادته واختياره؛ وقضاؤه لك خير من قضائك لنفسك. وكم من محنة في طيِّها نعمة لا يدريها إلَّا من يعلم العواقب. فكن مع اللَّه كالميت بين يديّ الغاسل، واعلم أنَّه حينئذٍ لا يفعل بك إلَّا ما هو خير لك؛ وكن كما قال الشاعر:

وقف الهوى بي حيث أنت؛ فليس لي ... متأخَّر عنه ولا متقدَّم

أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبًّا لذكرك فلْيلمني اللوّم

أشبهتَ أعدائي فصرت أحبهم ... إذْ كان حظي منك حظي منهم

وأهنتني فأهنتُ نفسي عامدًا ... ما من يهون عليك ممَّن يكرم

فإذا استقَّرت هذه القاعدة الأخرى عندك ازددت سرورًا على سرور. ثم ابحث عن فوائد المحنة تلقها كثيرة، وافهم أنَّها لولا المحنة لم تحصل هذه الفوائد. فإذًا المحنة نعمة، والمبليَّة عطيَّة، وعند هذا يتم انشراحك وسرورك، وتصل التي درجة الرضا بالمقدَّر، كما كان السلف رحمهم اللَّه:

يستعذبون بلاياهم كأنَّهم ... لا ييئسون من الدنيا إذا قتلوا

ولسنا نقول ذلك حثًّا على حبِّ البلاء، وحبًّا له، نعوذ باللَّه منه، ولكن نقوله تسليةً لمن حلَّ به؛ فتعريف دواء المرض لا يوجب حبّ المرض، ولا طلبه. نسأل اللَّه العافية؛ فإنَّ عافيته أوسع لنا. وإذا فهمت هذا وتأمَّلته مع قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل قضاء اللَّه للمؤمن خير" الحديث وانشرحت لذلك تمَّ لك نوع من الأمور التي يرجى باعتمادها عود النعمة، وزوال النقمة. فإن قلت: أين لي هذه الفوائد؟ وعدّدها؛ ليتَّم سروري. قلت: حظ هذا الكتاب منها تنبيهك من سِنة الغفلة؛ فإنَّا قد بيَّنا لك أنك من قِبَل تفريطك أتيت؛ فلو لم يتداركك اللَّه

<<  <   >  >>