للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى السفه المزري بمنصبِ أهله ... أو الصمت عن حقّ هناك مُضيعِ

فإمَّا توقّي (١) مسلك الدين والتُّقى ... وإمَّا تلقَّى غُصَّة المُتَجَرِّع

ومنهم من يضيع كثيرًا من وقته في طلب القضاة وغيره من المناصب فإن كان مراده القوت فالقوت يجيء بدون ذلك، وإن كان مراده الدنيا فقد كان في اشتغاله بصنعة الأجناد والدواوين وغيرهم من العامَّة ما لعلَّه أنجح في مقصده؛ فإن الدنيا في أيدي أولئك أكثر ومن هذه الطائفة من يقول: أكرِهت على القضاء: وأنا لم أرَ إلى الآنَ من أكره على القضاء الإكراه الحقيقي. وقد ضُرب جماعة من السلف على أن يلوا القضاء فأبوا، وسُمْر باب أبي عليّ بن خيران مدة. وما ذاك إلَّا لأنهم يخشون ألَّا يقيموا فيه الحقّ لفساد الزمان، وإلَّا فالقضاء إذا أمكن فيه نصر الحق من أعظم القربات؛ ولكن أين نصر الحقّ وهم لا يدخلون فيه إلّا بالسعي، وربَّما بذلوا عليه الذهب! ومذْهب كثير من العلماء أنَّ من يبذل الذهب على القضاء لا تصح أحكامه. ولا يخفى أنه إذا فسّق لم يكن نافذ الأحكام. وكأني بأحمق من الفقهاء، يقول: تَعَيَّن عليّ طلبُ القضاء، وأنا لا يخفى عليّ ما قاله الفقهاء فيمن تعيَّن عليه، ولكن من ذا الذين تعيَّن عليه؟ فقائل هذا الكلام إمَّا ممَّن لبّست عليه نفسُه، واستزَلَّه الشيطان من حيث لا يدري، أو ممَّن يريد التلبيس على الناس، فهو إبليسُ من الأبالسة، نعوذُ باللَّه منه؛ وما فعلت هذه الطائفة ولا كان ثمرة علمها إلَّا أن جعلت العلم حُطَام الدنيا، ثم أخذت تُداجي في دين اللَّه تعالى، وتلبِّس على الخلق، وتأكلُ الدنيا بالدين، فقبَّحها اللَّه تعالى من طائفة!. أخبرتنا شقراء بنت يعقوب بن إسماعيل بن عبد اللَّه بن عمر بن قاضي اليمن قراءة عليها وأنا أسمع قالت: أخبرنا جدِّي إسماعيل وأخوه إسحاق أخبرنا عبد اللطيف ابن شيخ الشيوخ أنا أبي شيخ الشيوخ أبو البركات إسماعيل بن أبي سعد بن أحمد النيسابوري الصوفيّ أنا الشيخ أبو القاسم علي بن محمد بن عليّ النيسابوري الكوفيّ سنة تسعين وأربعمائة قال: سمعت القاضي أبا مسعود -يعني صالح


(١) أي اجتناب مسلك الدين. أي هو بين أمرين: ألا يعني بأمر الدين فيخوض فيما يخوضون، غير مبال عاقبة ذلك، وإمَّا أن يبالي هذا فيحسّ الأسف والغصَّة على اقتراف الآثام في المناظرات والجدل.

<<  <   >  >>