للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن ساق الاجتهاد في حسم مادة من يسبّ الشيخين أبا بكر وعمر رضيَ اللَّه عنهما، ويقذف أمَّ المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها، التي نزل القرآن ببراءتها، وغضب الربّ تعالى لها، حتى كادت السماء تقع على الأرض، ومن يطعن في القرآن وصفات الرَّحمن. فالجهاد في هؤلاء واجب؛ فهلَّا شغلتم أنفسكم به، ويا أيُّها الناس بينكم اليهود والنَّصارى قد مَلَأُوا بقاع البلاد، فمن الذي انتصبَ منكم للبحث معهم، والاعتناء بإرشادهم. بل هؤلاء أهل الذمَّة في البلاد الإسلامية، تتركونهم هَمَلًا تستخدمونهم، وتستطِبّونهم، ولا نرى منكم فقيهًا يجلس مع ذميّ ساعة واحدة، يبحث معه في أصول الدين؛ لعلَّ اللَّه تعالى يهديه على يديه. وكان من فروض الكفايات ومهمَّات الدين أن تصرفوا بعض هممكم إلى هذا النوع. فمن القبائح أنَّ بلادنا ملأى من علماء الإسلام، ولا نرى فيها ذميًّا دعاه إلى الإسلام مناظرةُ عالم من علمائنا، بل إنَّما يُسلم من يُسلم إمَّا لأمر من اللَّه تعالى، لا مدخل لأحد فيه، أو لغرض دنيويّ. ثم ليت من يُسلم من هؤلاء يرى فقيهًا يمسكه، ويحدِّثه، ويعرِّفه دين الإسلام، لينشرح صدره لما دخل فيه؛ بل -واللَّه- يتركونه هَمَلًا لا يُدرى ما باطنه: هل هو كما يظهِر من الإسلام، أو كما كان عليه من الكفر؟ لأنهم لم يُرُوه من الآيات، والبراهين ما يشرح صدره. فيا أيُّها العلماء، في مثل هذا فاجتهدوا، وتعصَّبوا. وأمَّا تعصّبكم في فروع الدين، وحملكم الناس على مذهب واحد فهو الذي لا يقبله اللَّه منكم، ولا لحملكم عليه إلَّا محضر التعصُّب والتحاسُد. ولو أنَّ أبا حنيفة والشافعيّ ومالكًا وأحمد أحياء يُرزقون لشدَّدوا النكير عليكم، وتبرَّؤوا منكم فيما تفعلون. فلعمر اللَّه لا أحصي من رأيته يشمِّر عن ساعد الاجتهاد في الإنكار على شافعي يذبح ولا يُسّمي، أو حنفيّ يلمس ذكرة، ولا يتوضأ، أو مالكيّ يصلِّي ولا يبسمل، أو حنبليّ يقدم الجمعة على الزوال؛ وهو يرى من العوامّ ما لا يحصي عدده إلَّا اللَّه تعالى، يتركون الصلاة التي جزاء من تركها عند الشافعي ومالك وأحمد ضرب العنق، ولا ينكرون عليه، بل لو دخلَ الواحد منهم بيته لرأى كثيرًا من نسائه يترك الصلاة، وهو ساكت عنهنَّ. فياللَّه وللمسلمين! أهذا فقيه على الحقيقة! قبَّح اللَّه مثل هذا الفقيه. ثم ما بالكم تنكرون مثل هذه الفروع ولا تنكرون المكوس والمحرَّمات المجمع عليها ولا تأخذكم الغيرة للَّه تعالى فيها! وإنَّما تأخذكم الغيرة

<<  <   >  >>