للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيها كأنها جيوب النساء (١). ويرمى بالمنجنيق من أبي قبيس فتمر الحجارة وابن الزبير يصلي عند المقام كأنه شجرة قائمة ما ينثني. تهوى الحجارة ململمة ملس كأنها خرطت (٢) وما يصيبه منها شيء ولا يتنحى عنها ولا يفزع لها.

وحشر الحجاج أهل الشام يوما وخطبهم. وأمرهم بالطاعة وأن يرى أثرهم اليوم. فإن الأمر قد اقترب. فأقبلوا ولهم زجل (٣) وفرح. وسمعت بذلك أسماء بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله بن الزبير. فقالت لعبد الله- مولاها-:

اذهب فانظر ما فعل الناس. إن هذا اليوم يوم عصيب. اللهم أمضي ابني على نيته. فذهب عبد الله ثم رجع فقال: رأيت أهل الشام قد أخذوا بأبواب المسجد. وهم من الأبواب إلى الحجون. فخرج أمير المؤمنين يخطر (٤) بسيفه وهو ويقول:

إني إذا أعرف يومي أصبر … إذ بعضهم يعرف ثم ينكر

فدفعهم دفعة تراكموا منها فوقعوا على وجوههم. وأكثر فيهم القتل. ثم رجع إلى موضعه. قالت: من رأيت معه؟ قال: معه أهل بيته ونفير قليل.

قالت أمه: خذلوه وأحبوا الحياة. ولم ينظروا لدينهم ولا لأحسابهم. ثم قامت تصلي وتدعو وتقول: اللهم إن عبد الله بن الزبير كان معظما لحرمتك. كريه إليه أن تعصى. وقد جاهد فيك أعداءك. وبذل مهجة نفسه لرجاء ثوابك.

اللهم فلا تخيبه. اللهم ارحم ذلك السجود والنحيب والظمأ في تلك الهواجر.

اللهم لا أقوله تزكية. ولكن الذي أعلم. وأنت أعلم به. اللهم وكان برا بالوالدين.


(١) كناية عن الخروق التي يحدثها المنجنيق في جدار الكعبة. وقد تصحفت في تاريخ ابن عساكر (ص: ٤٨٠) إلى: جنوب الشتاء.
(٢) أي كأنها أخرجت من المخرطة.
(٣) زجل: الزجل الجلبة ورفع الصوت (اللسان: ١١/ ٣٠٢).
(٤) يخطر: بكسر الطاء- يهز سيفه معجبا به. ويطلق على من يتمايل في مشيته ويمشي مشية المعجب وسيفه في يده (اللسان: ٤/ ٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>