المنهج العلمي الذي سلكناه في تحقيق نصوص هذه الطبقة، وقد وجدنا أن ابن سعد ينفرد بذكر نصوص لا توجد عند غيره، سواء في باب الأخبار والوقائع أو في باب الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم من الأقوال والأفعال وبعض هذه النصوص بأسانيد صحيحة، وبعضها بأسانيد يستفاد منها في الشواهد والمتابعات لنصوص أخرى فترفع درجتها، وبعضها بأسانيد ضعيفة جدًّا.
كما أن في الأحاديث والآثار التي أوردها في تراجم أهل هذه الطبقة والبالغة خمسة عشر وسبعمائة سندا، يستفيد منها أهل العلم في زيادة الطرق وتقويتها لما هو مروي عند غير ابن سعد.
وفي ترجمة ابن عباس أورد نصوصًا في غاية الأهمية، توضح المنهج الذي ينبغي أن يسلك في معاملة المخالفين، وكيفية مُحَاجّتهم، وبماذا يحاجون؟ فقد أرسله علي بن أبي طالب إلى الخوارج الذين أنكروا التحكيم، وخرجوا على علي رضي الله عنه فقال له علي: اذهب إليهم وخاصمهم وادعهم إلى الكتاب والسنة ولا تحاجهم بالقرآن فإنه ذو وجوه.
وفي النص الثاني: القرآن حَمّال ذو وجوه، تقول، ويقولون، ولكن حاجّهم بالسنن فإنهم لن يجدوا عنها مَحِيصا، فخرج ابن عباس إليهم، فحاجهم بالسنن فلم تبق بأيديهم حُجة" (١). فبيان الحق، وإزالة الشبهة أول ما ينبغي أن يبدأ به مع المخالف، ثم إن المحاجة والمناظرة في المسألة موضوع الخلاف لابد أن تكون على منهج واضح صحيح وبحجة بينة قاطعة للنزاع، ولذا قال علي: القرآن ذو وجوه، تقول، ويقولون أي في تأويل الآيات، ولكن السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحدد تحدد الوجه المراد من الآية، وعندئذ لا
(١) انظر السند رقم (٩١، ٩٢) وهما بمعنى واحد، والنص صحيح أخرجه أحمد وغيره، وإن كان المصنف رواه من طريق الواقدي.