وإذا كان هذا هكذا، وكان ههنا أدلة تفضي إلى المطلوب، لم يكن تكليف إصابته من باب ما لا يطاق.
٢٤٢ - وأما الطريقة الأخرى التي احتج بها فأخذها من الواجب، وذلك أنه كما قيل فيه هو ما في تركه عقاب قال: فلو كان الواجب في الشيء حكما متعينا لكان في ترك إصابته إثم، والإجماع قد انعقد على سقوط التأثيم عن المجتهدين، فلذلك يلزم عن انتفاء التأثيم انتفاء الخطأ.
٢٤٣ - ونحن نقول إنه ليس يلزم عن سقوط التأثيم انتفاء الخطأ، إذ الخطأ غير المتعمد مصفوح عنه في الشرع، وهو يقع به النسيان والغفلة والسهو. وقد قلنا غير ما مرة إن الأدلة الشرعية إما قطعيه، وإما أكثرية. أما القطعية فالطريق إليها مهيع، ووقوع السهو فيها والغلط يقل، فلذلك يشبه أن يلزم التأثيم فيها بلزوم الخطأ. وأما الظنية فالغلط كثيرا ما يقع فيها والسهو، فلذلك لم يلزم من الخطأ فيها التأثيم. والذي أخذ في حد الواجب بأنه الذي في تركه عقاب، إنما معنى ذلك أن العقاب يتعلق بتركه بعد المعرفة بوجوبه، فيما كان إلى المعرفة بوجوبه دليل قطعي. وأما من غلط أو سها فيما الغلط فيه معرض فلم يكن له سبيل إلى معرفة وجوبه، فكيف يلحق بمثل هذا تأثيم. وقد قال عليه السلام:" (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ".
٢٤٤ - فإن قيل فسيلزم على هذا أن ما كان عليه دليل قطعي فأخطأه المجتهد على غير عمد أنه لا يأثم. قيل في هذا نظر. والفرق بينهما بين. فإن الدليل القطعي قلما يخفى على أحد ممن بلغ رتبة الاجتهاد، وإنما - يتصور خفاؤه (١) لهوى أو هوادة أو لشيء على خلافه أو غير ذلك من