سيدي، قراءتي لجزء أبي الجهم أحُّب إليّ من أكل الحلواء، فتبسَّم، وقال: إذا دخل الطعام خرج الكلام، وقدّم لنا صحناً فيه حلواء الفانيذ، فأكلنا، وأخرجت الجزء، وسألته إحضار الأصل، فاحضره، وقال: لا تخف ولا تحرص، فإني قد قبرت ممن سمع عليّ خلقاً كثيراً، فسل الله السلامة.
فقرأت الجزء، وسررت به، ويسَّر الله سماع "الصحيح" وغيره مراراً، ولم أزل في صحبته وخدمته إلى أن توفي ببغداد. قلت: وبيَّض لليوم وهو سادس الشهر قال: ودفنّاه بالشُّونيزيَّة. قال لي: تدفني تحت أقدام مشايخنا بالشُّونيزية. ولما احتضر سندته إلى صدري، وكان مستهتراً بالذكر، فدخل عليه محمد بن القاسم الصوفيُّ، وأكبَّ عليه، وقال: يا سيدي، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» فرفع طرفه إليه، وتلا:{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ}[يس: ٢٦ - ٢٧] فدهش إليه هو ومن حضر من الأصحاب، ولم يزل يقرأ حتى ختم السورة، وقال: الله الله الله، وتوفي وهو جالسٌ على السجادة [سير أعلام النبلاء: ٢٠/ ٣٠٧ - ٣٠٨].
٥ - ومنهم الشيخ العالم القدرة المفتي شيخ الشافعية فخر الدين أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الدمشقي الشافعي.
قال أبو شامة: أخبرني من حضره قال: صلى الظهر، وجعل يسأل عن العصر، وتوضأ ثم تشهَّد وهو جالس، وقال: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، لقّنني الله حجتي، وأقالني عثرتي، ورحم غربتي. ثم قال: وعليكم السلام، فعلمنا أنه حضرت الملائكة، ثم انقلب ميتاً [سير أعلام النبلاء: ٢٢/ ١٨٩].