ونجّى الله تبارك وتعالى موسى من القتل، وعاش موسى في قصر فرعون، معزَّزاً مكرماً، فقد اتخذته الملكة ابناً لها، وبهذا ظهر عجز فرعون، وقلة علمه، فالذي كان يبحث عنه فرعون، ويريد قتله قبل أن يكبر، ويقضي على ملكه، كان يعيش في قصره، ويأكل طعامه، ويطيعه خدّامه.
وقتل موسى رجلاً من شيعة آل فرعون، ففرّ إلى مدين، وبقي هناك بضع سنين، ثم عاد إلى مصر، وأوحى الله إليه في عودته، وأرسله إلى فرعون وقومه، وطالبه بأن يرسل معه بني إسرائيل، ليخرج بهم إلى الأرض فلسطين، التي أعطاهم إياها في عهده لإبراهيم، فأبى فرعون، وطغا وبغى، وأعاد قتل الأبناء، واستحياء النساء، وفي هذه الفترة التي زاد فيها طغيان فرعون وعلوه آمنت زوجته، وتمردت على زوجها، فعذبها زوجها عذاباً شديداً، فلما اشتد بها العذاب توجهت إلى بها تدعوه، أن يقبضها إليه، وأن يبني لها عنده بيتاً في الجنة، وينجيها من فرعون وعمله، وأن ينجيها من القوم الظالمين، وقد ضرب الله بها المثل في كتابه العزيز، فأبقى ذكراها مثلاً يتلى إلى يوم القيامة، يقتدي به المؤمنون، ويتعظ به الصالحون، قال تعالى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[التحريم: ١١] لقد آثرت امرأة فرعون، وهي الملكة التي حيزت لها الدنيا، آثرت ما عند الله، فأعرضت عن دنيا فرعون، وطلبت ما عند الله ورضوانه، وقد أخبرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، أنه لم يكمل من النساء على مستوى البشرية كلها إلا آسية زوجة فرعون، ومريم بنت عمران [صحيح البخاري: ٣٤١١].
وأخبرنا أن خير نساء العالمين مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم -[صحيح ابن حبان: ٦٩٥١].