أعفيتك. قال: إني لأعلم أنك مخالفٌ لكتاب الله، ترى من نفسك أموراً تريد بها الهيبة، وهني التي تقحمك الهلاك، وسترد غداً فتعلم.
قال: أما والله لأقتلنك قتلةً لم أقتلها أحداً قبلك ولا اقتلها أحداً بعدك، قال: إذاً تفسد عليّ دنياي، وأفسد عليك آخرتك، قال: يا غلام، السيف والنَّطع، فلما ولّى ضحك، قال: قد بلغني أنك لم تضحك، قد كان ذلك، قال: فما أضحكك عند القتل؟ قال: من جرأتك على الله عز وجل، ومن حلم الله عنك، قال: يا غلام اقتله، فاستقبل القبلة فقال:{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام: ٧٩]، فصرف وجهه عن القبلة فقال:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[البقرة: ١١٥]، قال: اضرب به الأرض، قال:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}[طه: ٥٥]. قال: اذبح عدو الله فما أنزعه لآيات القرآن منذ اليوم.
قال ابن ذكوان: إن الحجاج بن يوسف بعث إلى سعيد بن جبير، فأصابه الرسول بمكة، فلما سار به ثلاثة أيام رآه يصوم نهاره، ويقوم ليله، فقال الرسول: والله إني لأعلم أني أذهب بك إلى من يقتلك، فاذهب إلى أي طريق شئت، فقال له سعيد: إنه سيبلغ الحجاج أنك قد أخذتني، فإن خلّيت عني خفت أن يقتلك، ولكن اذهب بي إليه.
قال: فذهب به، فلما دخل عليه قال له الحجاج: ما اسمك؟ قال: سعيد ابن جبير. فقال: بل شقيّ بن كسير. فقال: أمّي سمّتني. قال: شقيت. قال: الغيب يعلمه غيرك، قال له الحجاج: أما والله لأبدلنّك من دنياك ناراً تلّظى، قال سعيد: لو علمت أن ذلك إليك ما اتخذت إلهاً غيرك.