السر والعلانية، ثم قال:«وأتبع السيئة الحسنة تمحها» فإن الطبيب متى تناول المريض شيئاً مضراً أمره بما يصلحه، والذنب للعبد كأنه أمر حتم، فالكيِّس هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو السيئات، وإنما قدَّم في لفظ الحديث «السيئة» وإن كانت مفعولة، لأن المقصود هنا محوها لا فعل الحسنة، فصار كقوله في بول الأعرابي:«صبوا عليه ذنوباً من ماء»[رواه البخاري ومسلم].
وجماع الخلق الحسن مع الناس: أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام، والدعاء له، والاستغفار والثناء عليه، والزيارة له، وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض. وبعض هذا واجب وبعضه مستحب.
وأما الخلق العظيم الذي وصف الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم - (أي في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:٤]) فهو الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقاً، هكذا قال مجاهدا وغيره، وهو تأويل القرآن، كما قالت عائشة رضي الله عنها:"كان خلقه القرآن"[رواه مسلم] وحقيقته المبادرة إلى امتثال ما يحب الله تعالى بطيب نفس وانشراح صدر.
واسم "تقوى الله" يجمع فعل كل ما أمر الله إيجابياً واستحباباً، وما نهى عنه تحريماً وتنزيهاً، وهذا يجمع حقوق الله وحقوق العباد، لكن لما كان تارة يعني بالتقوى خشية العذاب المقتضية للانكفاف من المحارم، جاء مفسراً في حديث معاذ، وكذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنهما الذي رواه الترمذي وصححه: "قيل: يا رسول الله! ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال:«تقوى الله وحسن الخلق». قيل: وما أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال «الأجوفان: الفم والفرج»[رواه الترمذي، وقال فيه: صحيح غريب].