أنامله، وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما همَّ بصدقة قلصت، وأخذت كلَّ حلقة بمكانها» - وأنا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بإصبعه في جيبه "فلوه رأيتها يوسِّعها فلا تتسع"[البخاري: ٥٧٩٧، مسلم: ١٠٢١ من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم].
وإخفاء المنزل وإظهاره تبعاً لذلك، قال تعالى:{يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ}[النحل: ٥٩].فهكذا النفس البخيلة الفاجرة قد دسَّها صاحبها في بدنه بعضها في بعض، ولهذا وقت الوت تنزع من بدنه كما ينزع السفود من الصوف المبتل، والنفس البرَّة التقية النفية التي قد زكاها صاحبها فارتفعت واتسعت ومجدت ونبلت، فوقت الموت تخرج من البدن تسيل كالقطرة من في السقاء، وكالشَّعرة من العجين. قال ابن عباس: إن للحسنة لنوراً في القلب، وضياءً في الوجه، وقوةً في البدن، وسعةً في الرزق، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة لظلمةً في القلب، وسواداً في الوجه، ووهناً في البدن، وضيقاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق. قال تعالى:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ}[الأعراف: ٥٨]. وهذا مثل البخيل والمنفق. قال:{فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ}[الأنعام: ١٢٥]، وقال:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية [البقرة: ٢٥٧].
وقال له في سياق الرمي بالفاحشة وذم من أحب إظهارها في المؤمنين، والمتكلم بما لا يعلم:{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا} الآية [النور: ٢١]. فبيَّن أن الزكاة إنما تحصل بترك الفاحشة، ولهذا قال:{قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} الآية [النور: ٣٠].
وذلك أن ترك السيئات هو من أعمال النفس، فإنها تعلم أن السيئات مذمومة ومكروهٌ فعلها، ويجاهد نفسه إذا دعته إليها، إن كان مصدقاً لكتاب