وادَّعى كلٌّ من اليهود والنصارى أنهم أهل الجنة دون غيرهم {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: ١١١].
وأعلمنا ربنا أن اليهود والنصارى لن يرضوا عنا حتى نتبع دينهم {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة: ١٢٠] وأخبرنا ربنا أنه خلق العباد من ذكر وأنثى، وجعل العباد شعوباً وقبائل ليتعافوا، لا ليتقاتلوا، ويتنازعوا، وصرِّح بأن الأكرم والأفضل هو الأتقى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ خَبِيرٌ}[الحجرات: ١٣].
وأخبرنا أبو هريرة أن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - سئل عن أكرم الناس؟ قال:«أتقاهم»[البخاري: ٣٣٥٣]. واتقى الناس كلهم أولهم وآخرهم هو رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، وفي ذلك يقول فيما رواه عنه أنس بن مالك:«والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له»[البخاري: ٥٠٦٣، مسلم: ١١٠٨]. ويأتي بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في التقوى بقية أولي العزم من الرسل، وهم: إبراهيم ونوح وموسى وعيسى، ثم يأتي بعدهم بقية الرسل والأنبياء، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ثم الصالحون، على تفاوت في كل طائفة منهم.
ولما كانت التقوى درجاتٍ عاليات، يتفاوت فيها العباد تفاوتاً كبيراً، فقد أعلمنا ربنا في سورة الفرقان أن عباد الرحمن الذين أخبر عنهم في آخر السورة يدعون ربَّهم أن يجعلهم للمتقين إماماً {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان: ٧٤].
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما روى عنه عبد الله بن مسعود يدعو ويقول:«اللهم إني أسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغنى»[مسلم: ٢٧٢١].