للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلان يراد بها مجرد الصفات القائمة من العلم والقدرة ونحو ذلك بل هذا من البهتان على اللغة وأهلها.

وأيضاً فقول القائل: خلق آدم على صورة آدم بمعنى على صفة آدم لا يدل على أنه خلق على صفات الكمال ابتداء، ولو أريد بالصورة ما يتأخر عن وجوده فإن المخلوق على صفة من الصفات يخلق عليها في مدة وفي غير مدة، يبين ذلك أنه جعل أحد المحملين كونه خلق عارفاً تائباً مقبولاً عند الله، ومعلوم أن هذه الصفة تأخر وجودها عن ابتداء خلقه، فإن التوبة كانت بعد الذنب، فإذا كان لا ينافي كونه مخلوقاً عليها فكذلك لا ينافي كونه مخلوقاً على صفة العلم والقدرة وإن تأخر ذلك عن وجوده، وإذا كان كذلك فلا فرق بينه وبين غيره.

وأيضاً فهذا الذي ذكره من معنى الخبر باطل فإن آدم لم يجعل ابتداء على صفة الكمال، بل بعد أن خلقه الله تعالى علمه الأسماء التي لم يكن بها عالماً كما علم بنيه البيان بعد أن خلقهم، فهذه التأويلات التي هي ذكر دلالة اللفظ على معنى من المعاني، تارة يكون المعنى باطلاً، وتارة يكون اللفظ غير دال عليه، وتارة يكون اللفظ دالاً على نقيضه وضده، وتارة يجتمع من ذلك ما يجتمع، وهذا شأن أهل التحريف والإلحاد: نعوذ بالله من الغي والزيغ ونسأله الهدى والسداد.

وهذه التأويلات وإن كان المؤسس (١) مسبوقاً بها وهو إن كان قد نقل منها ما نقله من كتاب أبي بكر ابن فورك ونحوه، وهم أيضاً مسبوقون بأمثالها فقد كان من هو أقدم منهم يذكر من التأويلات ما هو أمثل من ذلك، إذ كل ما تقدم الزمان كان الناس أقرب إلى السداد في


(١) المؤسس هو الرازي، ترجع الحاشية في ص٦٩.