الثبوتات والقياسات الشرعيات والعقليات، وكان قدماء الجهمية أعلم بما جاء به الرسول وأحسن تأويلاً من هؤلاء كما تقدم فيما ذكره المروذي عن أحمد أنه ذكر له عن بعض المحدثين بالبصرة أنه قال قول النبي صلى الله عليه وسلم:«خلق آدم على صورته» قال: صورة الطين، قال: هذا جهمي وقال: نسلم الخبر كما جاء، فأخبر أحمد أن هذا جهمي كما أن من قال على صورة الأرحام فهو جهمي لأن الجهمية هم الذين ينكرون الصفات ويتأولون ما ورد في ذلك من الأخبار والآيات، وهذا التأويل أجود مما تقدم فإن قوله: على صورة آدم يقتضي أن يكون لآدم صورة خلق عليها وتلك هي صورة الطين فإن الله صور آدم طيناً حتى يبس فصار صلصالاً ثم نفخ فيه الروح، ومراد هؤلاء أنه خلقه على تلك الصورة المصنوعة من الطين، لكن هذا أيضاً فاسد، فإن قول القائل خلق على تلك الصورة يقتضي أن تكون له صورة أخرى خلقت على تلك الصورة. وآدم بعينه تلك الصورة التي خلق فيها الروح، بل تصويره هو خلقه من تراب ثم من طين كما قال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ}[الأعراف: ١١]، فقدم الخلق على التصوير فكيف تكون الصورة لآدم سابقة على الخلق حتى يقال خلق آدم على تلك الصورة.
وأيضاً لو أريد أنه خلق من صورة الطين بعينها لا من أبوين ولا يجوز ذلك لقيل كما قال الله:{مِنْ تُرَابٍ}[آل عمران: ٥٩]، وقال:{إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ}[صّ: ٧١]، وقال:{إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ}[الحجر: ٢٨].
وكذلك إذا تأوله متأول على الصورة المقدرة له وهي ما سبق له في علم الله وكلامه وكتابه، أي خلق آم على الصورة التي قدرها له فإن الله وإن كان خلق كل شيء على ما سبق من تقديره فلا يصح تأويل الحديث على هذا لأن جميع الأشياء خلقها الله تعالى على ما قدره فلا اختصاص لآدم بذلك.