بحسب ما يمليه عليه اجتهادهن وما يبلغه تفكيره الحر، وحسه المرهف، فيؤيد هذا ويضعّف ذاك، ويصحح هذا ويرد ما يخالفه من غير تحيز إلى مذهب معين لذاته، وإنما ينتصر لما تشهد بصحته الشواهد المعتبرة لديهن أو ماله نظير يمكن قياسه عليه.
وكون ابن مالك موافقا في كثير من آرائه النحوية لما عليه البصريون لا يعني تحيزه إلى هذا المذهب أو هذه المدرسة، وإنما لكون ذلك هو المترجح لديه بعد إعمال فكر وإجالة نظر، ولا يخفي تفوق المدرسة البصرية على غيرها من المدارس النحوية، ومع ذلك فإنك تجد ابن مالك ينتصر لقول الكسائي أو الفراء -أحياناً- لما تقدم.
ومصنفات ابن مالك مليئة بآراء النحويين المتقدمين والمتأخرين مما يدل دلالة واضحة على أنه لم يدخر وسعاً في تتبع الآراء النحوية عند عرضه للمسائل، فإنك واجد في كتبه أقوال سيبويه والكسائي والفراء، والأخفش، والمبرد، والزجاج، وابن السراج، وثعلب، والجرمي، والزجاجي، والفارسي، والسيرافي، وابن كيسان، وابن برهان، وابن جنى، وابن الأنباري، والزمخشري، وابن مضاء، وابن خروف، والشلوبين، وابن عصفور، وابن الحاجب، ابن يعيش ... وغيرهم. وفي هذا الخضم تجد ابن مالك يؤيد هذا ويرد ذاك وقد يضرب رأيا برأي ويبدي رأيا مستقلاً في المسألة، ولست-هنا- بصدد عرض النماذج للتدليل على ذلك، فقد كفاني ذلك من قاموا بدراسة مصنفات ابن مالك.
[المبحث الثامن: منهجه]
إن من يستقرئ كتب ابن مالك -ولاسيما الكافية الشافية وشرحها وخلاصتها، والتسهيل- استقراءاً يهدف إلى استخلاص منهجه، لا ريب