وبقي عند القرامطة اثنين وعشرين سنة إلا شهرًا، ثم رُدَّ لخمس خَلَوْن من ذي الحِجَّة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة.
وكان حَكَم التركي بذل لهم في ردِّه خمسين ألف دينار فلم يفعلوا وقالوا: أخذناه بأمر ولا نرده إلَّا بأمر.
* وقيل: إنهم باعوه من الخليفة المقتدر بثلاثين ألف دينار. ولما أرادوا تسليمه، أشهدوا عليهم أنهم تسلَّموا الحجر الأسود، وقالوا لهم بعد الشهادة: "يا مَن لا عقل لهم، مَن علم منكم أن هذا هو الحجر الأسود ولعلنا أحضرنا حجرًا أسود من هذه البرية عوضه، فسكت الناس، وكان فيهم عبد الله بن عكيم المحدّث، فقال لنا في الحجر الأسود علامة، فإن كانت موجودة: فهو هو؛ وإن كانت معدومة: فليس هو، ثم رفع حديثًا غريبًا أن الحجر الأسود يطفو على وجه الماء ولا يسخن بالنار إذا أوقدت عليْه، فأحضر القرمطي طستًا فيه ماء ووضع الحجر فيه فطفى على الماء، ثم أوقدت عليه النار فلم يحس بها فمدَّ عبد الله المحدِّث يده وأخذ الحجر وقبَّله وقال: أشهد أنه الحجر الأسود، فتعجَّب القرمطي من ذلك، وقال: هذا دين مضبوط بالنقل. وأُرسل الحَجَر إلى مكة.
* قال ابن دحية: عبد الله بن عكيم هذا لا يعرف، والحجر الأسود جلْمدًا (١) لا تخلَّل فيه. والذي يطفو على الماء يكون فيه بعض التخلل كالخفاف وشبهه. قال وللحجر الأسود علامات غير ذلك، وعرضه وطوله معلوم عند جميع من ألَّف في أخبار مكة ولا يمكن التدليس فيه والنقطة البيضاء التي فيه من أكبر العلامات.