ومنه كذلك قول ابن شهيد (١) الأندلسي يصف برغوثا: «أسود زنجيّ. أهليّ وحشيّ ... كأنه جزء لا يتجزأ من ليل، أو نقطة مداد، أو سويداء فؤاد ...» فالغرض من التشبيهات الثلاثة هنا هو بيان مقدار حال المشبه، لأنه لما وصف البرغوث بالسواد أراد أن يبيّن مقدار هذا السواد.
فالغرض من التشبيه عند عنترة والمتنبي وابن شهيد هو بيان مقدار حال المشبه، أي بيان مقدار صفته المعروفة فيه قبل التشبيه معرفة إجمالية.
٤ - تقرير حال المشبه: أي تثبيت حاله في نفس السامع وتقوية شأنه لديه، كما إذا كان ما أسند إلى المشبه يحتاج إلى التأكيد والإيضاح بالمثال؛ وذلك نحو قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ.
فالآية الكريمة تتحدث في شأن عبّاد الأوثان الذين يتخذون آلهة غير الله، وتصفهم بأنهم إذا دعوا آلهتهم لا يستجيبون لهم، ولا يعود عليهم دعاؤهم إياهم بفائدة. وقد أراد الله سبحانه أن يقرّر هذه الحال ويثبتها في الأذهان، فشبّه هؤلاء الوثنيين بمن يبسط كفّيه إلى الماء ليشرب فلا يصل الماء إلى فمه بداهة، لأنه يخرج من خلال
أصابعه ما دامت كفّاه مبسوطتين. فالغرض من التشبيه هنا تقرير حال المشبه.
ومن أمثلة هذا الغرض أيضا قول الشاعر:
وأصبحت من ليلى الغداة كقابض ... على الماء خانته فروج الأصابع
فحال الشاعر مع صاحبته ليلى هي حال من كلما دنا منها بعدت عنه، أو حال من كلما أوشك أن يظفر بها أفلتت منه، وقد أراد الشاعر أن
(١) من أدباء الأندلس وشعرائهم، له شعر جيد ومؤلفات قيّمة. توفي سنة ٤٢٦ هـ.