يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً؟ ويقولون في باب آخر: فلان يأكل الناس، وإن لم يكن يأكل من طعامهم شيئا، وكذلك قول دهمان النهري:
سألتني عن أناس أكلوا ... شرب الدهر عليهم وأكل
فهذا كله مختلف، وهو كله مجاز» (١).
فالأكل في قوله:«أكله الأسد» حقيقي، أمّا في الأمثلة الأخرى فالأكل على اختلاف أنواعه مجازي كما ذكر.
فمن هذه الأمثلة يتضح أنّ المجاز عند الجاحظ مقابل للحقيقة، وأنّ الحقيقة في مفهومه تعني «استعمال اللفظ فيما وضع له أصلا»، كما أنّ المجاز عنده هو «استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي».
ومن معاصري الجاحظ الذين عرضوا لذات الموضوع من زاوية خاصة أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري «٢٧٦ هـ»، فقد اهتمّ ابن قتيبة فقط بالرد على من أنكروا المجاز وزعموا أنّ الكلام كله حقيقة ولا مجاز فيه. وفي ذلك يقول: «لو كان المجاز كذبا لكان أكثر كلامنا باطلا، لأنّا نقول: نبت البقل، وطالت الشجرة، وأينعت الثمرة، وأقام الجبل ورخص السعر ... ، وتقول: كان الله، وكان بمعنى حدث، والله قبل كل شيء. وقال الله عزّ وجل: فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ، لو قلنا لمنكر هذا كيف تقول في جدار رأيته على شفا انهيار؟ لم يجد بدا من أن يقول: يهمّ أن ينقض، أو يكاد أو يقارب، فإن فعل فقد جعله فاعلا، ولا أحسبه يصل إلى هذا المعنى في شيء من ألسنة
(١) كتاب الحيوان ج ٥ ص ٢٧ - ٢٨، والأسود هنا: نوع خبيث من الأفاعي.