للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العجم إلّا بمثل هده الألفاظ» (١).

وبعد ابن قتيبة جاء أبو الحسين أحمد بن فارس «٣٩٦ هـ» فعرف الحقيقة والمجاز بقوله: «الحقيقة هي الكلام

الموضوع موضعه الذي ليس باستعارة ولا تمثيل ولا تقديم ولا تأخير كقول القائل: الحمد لله على نعمه وإحسانه، وهذا أكثر الكلام، أي أنّ الكلام الحقيقي يمضي لسنته لا يعترض عليه. وقد يكون غيره ويجوز جوازه لقربه منه إلّا أنّ فيه من تشبيه واستعارة وكف ما ليس في الأول.

كقولك: عطاء فلان مزن واكف، فهذا التشبيه. وقد جاز مجاز قوله:

عطاؤه كثير واف» (٢). فالمجاز عند ما كان قريبا من الحقيقة وفيه تشبيه أو استعارة.

وعند ابن رشيق القيرواني «٤٥٦ هـ» أنّ «المجاز في كثير من الكلام أبلغ من الحقيقة، وأحسن موقعا في القلوب والأسماع، وما عدا الحقائق من جميع الألفاظ ثمّ لم يكن محالا محضا فهو مجاز، لاحتماله وجوه التأويل، فصار التشبيه والاستعارة وغيرهما من محاسن الكلام داخلة تحت المجاز، إلّا أنّهم خصوا بالمجاز، بابا بعينه، وذلك أن يسمّى الشيء باسم ما قاربه أو كان منه بسبب، كما قال جرير بن عطية:

إذا سقط السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا

أراد المطر لقربه من السماء، ويجوز أن تريد «بالسماء» السحاب، لأنّ كل ما أظلّك سماء، وقال «سقط» يريد سقوط المطر الذي فيه، وقال


(١) كتاب العمدة ج ١ ص ٢٣٦.
(٢) كتاب الصاحبي لابن فارس ١٩٦ - ١٩٨.

<<  <   >  >>