«أسرار البلاغة» الذي وضع فيه نظرية علم البيان بقواعده وشعبه وتفريعاته الكثيرة. والحق يقال إنّه فريد في بابه، فهو بحث في البيان العربي غير مسبوق ولا ملحوق، وإنّه ليدل فيما يدل على ألمعية صاحبه، وغزارة علمه، وسلامة ذوقه، وعقليته الجبارة المبتكرة.
و «أسرار البلاغة» باستثناء ما ورد فيه عن الجناس، والسجع، والاتفاق في الأخذ والسرقة عند الشعراء، هو بحث أصيل عميق في أصول علم البيان من حقيقة ومجاز، واستعارة، وتشبيه. وإذا كان لم يتكلم فيه عن الكناية، فإنّه قد استوفى الكلام عنها في كتابه الآخر «دلائل الإعجاز»، كما عرض فيه أيضا لبعض جوانب من الاستعارة، وللمجاز الحكمي «العقلي» الذي اهتدى إليه بذوقه الكلامي وعدّه ضربا جديدا من المجاز.
وعبد القاهر ينظر إلى المجاز والاستعارة والتشبيه والكناية على أنّها عمد الإعجاز وأركانه، والأقطاب التي تدور البلاغة عليها. وعنها يقول:
«ولم يتعاط أحد من الناس القول في الإعجاز إلّا ذكرها، وجعلها العمد والأركان فيما يوجب الفضل والمزية، وخصوصا الاستعارة والمجاز، فإنّك تراهم يجعلونهما عنوان ما يذكرون، وأوّل ما يوردون»(١).
وليس من غرضنا هنا التوسع بعرض مجمل آراء عبد القاهر في مباحث علم البيان فهذا أمر يطول شرحه، وإن
كنّا سنعرض فيما بعد لبعض آرائه عند دراستنا التفصيلية لفنون البيان من مجاز واستعارة وتشبيه وكناية.
إنّما الغرض الآن أن نبين المنهاج الذي رسمه لنفسه في البحث