والذي يكاد يكون أوّل منهاج علمي منظم في البلاغة، ثمّ نشفع ذلك بذكر الجوانب التي تطرق لبحثها في كل موضوع، الأمر الذي يدل على سعة علمه وتفوقه على غيره، وأخيرا نشير بإيجاز إلى طريقته في التأليف.
أمّا عن منهاجه في البحث فاستمع إليه يعرضه في كلماته:«واعلم أنّ الذي يوجبه ظاهر الأمر، وما يسبق إليه الفكر: أن نبدأ بجملة من القول في الحقيقة والمجاز، ونتبع ذلك القول في التشبيه والتمثيل، ثمّ ننسق ذكر الاستعارة عليهما، ونأتي بها في أثرهما، وذلك أنّ المجاز أعم من الاستعارة، والواجب في قضايا المراتب: أن نبدأ بالعام قبل الخاص.
والتشبيه كالأصل في الاستعارة، وهي شبيهة بالفرع له أو صورة مقتضبة من صوره. إلّا أنّ ههنا أمورا اقتضت أن تقع البداية بالاستعارة وبيان صدر منها، والتنبيه على طريق الانقسام فيها، حتى إذا عرّف بعض ما يكشف عن حالها، ويقف على سعة مجالها، عطف عنان الشرح إلى الفصلين الآخرين، فوفّي حقوقهما، وبيّن فروقهما، ثمّ ننصرف إلى استقصاء القول في الاستعارة» (١).
ذلك هو المنهاج الذي أخذ به نفسه، وجمع فيه لأوّل مرة مباحث علم البيان بعضها إلى بعض، ورتّبها من حيث الكلام عنها ترتيبا منطقيا منظما، يبدأ فيه بالعام قبل الخاص، وبالأصل يتلوه الفرع، مع العناية بتوضيح ما بين التشبيه والتمثيل من فروق، وباستقصاء القول في الاستعارة.
أمّا الجوانب التي تطرق لبحثها في كل مبحث من مباحث علم البيان فلا سبيل هنا إلى سردها جملة لكثرتها، ولكنا نكتفي بذكر طائفة منها