للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن خصائصها كذلك التشخيص والتجسيد في المعنويات، وبث الحركة والحياة والنطق في الجماد، وقد التفت الجرجاني إلى شيء من ذلك بقوله: «فإنّك لترى بها الجماد حيا ناطقا، والأعجم فصيحا، والأجسام الخرس مبينة، والمعاني الخفية بادية جلية ... وتجد التشبيهات على الجملة غير معجبة ما لم تكنها، إن شئت أرتك المعاني

اللطيفة التي هي من خبايا العقل كأنّها قد جسمت حتى رأتها العيون، وإن شئت لطفت الأوصاف الجسمانية حتى تعود روحانية لا تنالها إلّا الظنون، وهذه إشارات وتلويحات في بدائعها» (١).

يقول الله تعالى في تصوير العذاب الذي أعدّه للكافرين به:

وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ. تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ؟. (٢)

«فالشهيق» في الآية الكريمة قد استعير «للصوت الفظيع» وهما لفظتان و «الشهيق» لفظة واحدة، فهو أوجز على ما فيه من زيادة البيان.

و «تميز» استعير للفعل «تنشق من غير تباين» والاستعارة أبلغ، لأنّ التميز في الشيء هو أن يكون كل نوع منه مباينا لغيره وصائرا على حدّته، وهو


(١) أسرار البلاغة ص ٣٣.
(٢) الشهيق: أصله الصوت المزعج كصوت الحمار، والمراد به هنا «الحسيس» وهو الصوت الخفي الناشئ عن الفوران، وهذا الصوت يحدثه الله سبحانه في النار لشدة ازعاج الكافرين، وتميز: أصله تتميز، أي تتقطع وينفصل بعضها عن بعض، من الغيظ: أي من غيظها منهم، والكلام كله تمثيل لشدة غليانها انتظارا لهم، فوج: المراد هنا جماعة من الكفرة، والخزنة: جمع خازن، وهم الملائكة الموكلون بجهنم، وقد وصفهم الله في آية أخرى بأنّهم ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

<<  <   >  >>