ولعل أسلوب الكناية من بين أساليب البيان هو الأسلوب الوحيد الذي يستطيع به المرء أن يتجنب التصريح بالألفاظ الخسيسة أو الكلام الحرام. ففي اللغات، وليس في اللغة العربية وحدها، ألفاظ وعبارات تعدّ «غير لائقة» ويرى في التصريح بها جفوة أو غلظة أو قبح أو سوء أدب أو ما هو من ذلك بسبيل.
وعدم اللياقة في النطق أو التصريح بهذه الألفاظ الخسيسة والعبارات المستهجنة التي تدخل في دائرة الكلام الحرام كما يقول علماء الاجتماع قد يكون باعثه الاشمئزاز، الاشمئزاز مما تولده في النفس من مشاعر وانفعالات غير سارة، وقد يكون باعثه الخوف، الخوف من اللوم والنقد والتعنيف، والخوف من أن يدمغ المرء بالخروج على آداب المجتمع الذي يعيش فيه.
لكل ذلك كانت الكناية هي الوسيلة الوحيدة التي تيسر للمرء أن يقول كل شيء، وأن يعبر بالرمز والإيحاء عن كل ما يجول بخاطره حراما كان أو حلالا، حسنا كان أو قبيحا، وهو غير محرج أو ملوم. وتلك مزية للكناية على غيرها من أساليب البيان.
...
وبعد ... فلعل خير ما نختم به هنا توضيحا لبعض ما ذكرناه عن الكناية أن نورد نصا لجأ الشاعر فيه أكثر ما لجأ إلى هذا الأسلوب الرمزي سترا لبعض ما لا يريد أن يصرح به. وهذا النص من قصيدة لأبي فراس الحمداني بعث بها وهو أسير في بلاد الروم إلى ابن عمه الأمير سيف الدولة يسأله المفاداة. قال: