وتجدر الإشارة إلى أنّ كلامه عن هذه المباحث ينقصه التنظيم والتبويب، فالحديث عن هذه الفنون البيانية يأتي عنده متداخلا على حسب ما تستدعيه طبيعة البحث. ومع هذا فإنّ الدارس لمباحث علم البيان في كتاب المثل السائر يخرج منه بصورة شاملة واضحة لهذه المباحث البيانية، وبصورة أخرى لمنهاج ابن الأثير في البحث، هذا المنهاج الذي يجمع فيه بين علمه الدقيق بأصول البيان العربي وبين النقد والتحليل.
وإذا انتقلنا الآن إلى عرض كلامه في مباحث علم البيان فإننا نراه بدأ أوّل ما بدأ بالاستعارة ممهدا لها بحديث عن المجاز، فالاستعارة عنده من أوصاف الفصاحة والبلاغة العامة التي ترجع إلى المعنى، وهي ضرب من المجاز الذي هو قسمان: توسع في الكلام وتشبيه. ولا يكاد يذكر التشبيه حتى يستطرد إلى الكلام عنه فيقسمه تقسيما أوليا إلى تشبيه تام وتشبيه محذوف مع تعريف كليهما وتوضيحه بالأمثلة.
ولا ينتهي من ذلك حتى يبدأ فيقسم التشبيه تقسيما آخر، من حيث ذكر أداة التشبيه وحذفها، إلى تشبيه مظهر وتشبيه مضمر. وهنا يضطره البحث إلى التفريق بين التشبيه المضمر والاستعارة، فالتشبيه المضمر يحسن إظهار أداة التشبيه فيه، أمّا الاستعارة فلا يحسن إظهار أداة التشبيه فيها، أي أنّها لا تكون إلّا بحيث يطوي ذكر
المستعار له.
فالتشبيه المضمر من مثل «زيد أسد» إذا أظهرت الأداة فيه وقيل:
زيد كالأسد، حسن ظهورها، ولم تقدح في الكلام الذي أظهرت فيه، ولا تزيل عنه فصاحة ولا بلاغة. وهذا بخلاف الاستعارة فإنّه لا يحسن فيها ظهور أداة التشبيه، ومتى أظهرت أزالت عن ذلك الكلام ما كان متصفا به من جنس فصاحة وبلاغة. فقول الشاعر: