يَعْنِي فَأَنْظُرُ، وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
لَوْ أَنَّ عَمْرًا هَمَّ أَنْ يَرْقُودَا ... فَانْهَضْ فَشُدَّ الْمِئْزَرَ الْمَعْقُودَا
يَعْنِي " يَرْقُدَ "، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ قِرَاءَةُ قُنْبُلٍ: " لَأُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ " بِلَامِ الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْبَزِّيِّ وَالْحَسَنِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ.
يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ لَاصِقٌ بِالتُّرَابِ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَهُوَ أَشَدُّ فَقْرًا مِنْ مُطْلَقِ الْفَقِيرِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ الْآيَةَ [١٨ \ ٧٩] ، يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ مَعَ أَنَّ لَهُمْ سَفِينَةً عَامِلَةً لِلْإِيجَارِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ عَنْ كِلَا الْقَوْلَيْنِ.
أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ عِنْدَهُ مَا لَا يَكْفِيهِ كَالشَّافِعِيِّ، فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْجَوَابَ أَنَّهُ يَقُولُ: الْمِسْكِينُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ لَا يَكْفِيهِ، فَإِذَا قُيِّدَ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ، فَذَلِكَ يُعْلَمُ مِنَ الْقَيْدِ الزَّائِدِ لَا مِنْ مُطْلَقِ لَفْظِ الْمِسْكِينِ.
وَعَلَيْهِ، فَاللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَيَّدَ الْمِسْكِينَ بِكَوْنِهِ: ذَا مَتْرَبَةٍ، فَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ لَانْصَرَفَ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ مَا لَا يَكْفِيهِ، فَمَدْلُولُ اللَّفْظِ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ لَا يُعَارَضُ بِمَدْلُولِهِ حَالَةَ التَّقْيِيدِ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْوَجُ مِنْ مُطْلَقِ الْفَقِيرِ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ فَيُجَابُ عَنْ آيَةِ الْكَهْفِ بِأَجْوِبَةٍ: مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: " مَسَاكِينَ "؛ أَنَّهُمْ قَوْمٌ ضِعَافٌ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مُدَافَعَةِ الظَّلَمَةِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَشَرَةٌ، خَمْسَةٌ مِنْهُمْ زَمْنَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute