للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْهَا أَنَّ السَّفِينَةَ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لَهُمْ، بَلْ كَانُوا أُجَرَاءَ فِيهَا أَوْ أَنَّهَا عَارِيَةٌ وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ.

وَمِنْهَا أَنَّ اسْمَ الْمَسَاكِينِ أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ تَرَحُّمًا لِضَعْفِهِمْ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ لِمُقَيِّدِهِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ لَا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَلَيْسَ فِيهَا حُجَّةٌ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا، وَمَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ - مِنْ قِرَاءَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِمَسَّاكِينَ "، بِتَشْدِيدِ السِّينِ جَمْعُ تَصْحِيحٍ لَمَسَّاكٍ بِمَعْنَى الْمَلَّاحِ أَوْ دَابَّةِ الْمُسُوكِ الَّتِي هِيَ الْجُلُودُ، فَلَا يَخْفَى سُقُوطُهُ لِضَعْفِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَشُذُوذِهَا. وَالَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى ذِهْنِ الْمُنْصِفِ أَنَّ مَجْمُوعَ الْآيَتَيْنِ دَلَّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْمِسْكِينِ مُشَكِّكٌ لِتَفَاوُتِ أَفْرَادِهِ فَيَصْدُقُ بِمَنْ عِنْدَهُ مَا لَا يَكْفِيهِ بِدَلِيلِ آيَةِ " الْكَهْفِ "، وَمَنْ هُوَ لَاصِقٌ بِالتُّرَابِ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ بِدَلِيلِ آيَةِ " الْبَلَدِ "،

كَاشْتِرَاكِ الشَّمْسِ وَالسِّرَاجِ فِي النُّورِ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا، وَاشْتِرَاكِ الثَّلْجِ وَالْعَاجِ فِي الْبَيَاضِ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا.

وَالْمُشَكِّكُ إِذَا أُطْلِقَ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِوَصْفِ الْأَشَدِّيَّةِ انْصُرِفَ إِلَى مُطْلَقِهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالْفَقِيرُ أَيْضًا قَدْ تُطْلِقُهُ الْعَرَبُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ بَعْضُ الْمَالِ، كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَمِنْ شَوَاهِدِهِ قَوْلُ رَاعِي نُمَيْرٍ:

أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ

فَسَمَّاهُ فَقِيرًا مَعَ أَنَّ عِنْدَهُ حَلُوبَةً قَدْرَ عِيَالِهِ.

<<  <   >  >>