للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونقدم فيما يلي مثالا واحدا من السيرة النبوية وحركة الصحابة، تبيّن أنّ هذا هو المقصود بالتأويل، وأنّ الصحابة كانوا يفهمونه.

إنّ آيات سورة القمر تقرر هزيمة كفار قريش، كما هزم الله الكفار السابقين، وبعد أن تقدم آيات السورة لقطات سريعة عن مصارع أشهر الكفار السابقين: قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، وآل فرعون، تخاطب كفار قريش قائلة: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ؟ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ؟ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ؟ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُرَ. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، والسَّاعَةُ أَدْهي وأَمَرُّ (١).

تسأل هذه الآيات كفار قريش: أأنتم خير من الكفار السابقين المعذّبين؟

أتظنون أن العذاب لن يقع بكم في الدنيا قبل الآخرة؟ هل معكم براءة من الله أنزلها عليكم في الزبر والكتب؟ أم تعتمدون علي قوتكم وجنودكم وأتباعكم؟ أتظنون أنكم ستنتصرون علي المسلمين في حربكم القادمة القريبة؟ وتقولون: نحن جميع منتصرون، والمسلمون مهزمون؟

لا تظنّوا هذا، ولا تتوقّعوه، إنّ المعارك قادمة بينكم وبين المسلمين، وستنهزمون أمامهم، وسيتفرق جمعكم، وستولون أدباركم للمسلمين، وسينزل الله نصره عليهم: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُرَ.

إنّ قوله: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُرَ وعيد من الله وتهديد للكفار، وتقرير أنهم سينهزمون لا محالة! وهذه الآيات نزلت في مكة، بينما كان المسلمون قلة مستضعفين، والكافرون أقوياء غالبين، وقد أيقن المسلمون بتحقق وعدها في المستقبل، لكنّ الكافرين لم يصدّقوا ذلك.

متي تمّ تأويل هذه الآيات؟ أي: متي تحقق بعدها العملي المادي الواقعي؟ ومتي ردّ الكلام النظري فيها الي غايته الفعلية المرادة منه؟


(١) سورة القمر: ٤٣ - ٤٦.

<<  <   >  >>