الرسل والأمم في عبادة الله وحده، إلَّا أنهم ينكرون البعث يقولون: {إِنْ هِيَ إلا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥)} [الدخان / ٣٥] {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩)} [الأنعام / ٢٩] {تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (١٢)} [النازعات / ١٢] {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)} [يس / ٧٨] كل هذا إنكار منهم للبعث، والله -جل وعلا- أكثر في القرآن العظيم من ثلاثة براهين يقيمها -براهين عقلية- على أنَّه يبعث النَّاس بعد الموت، أشار إلى ثلاثة منها في هذه الآية الكريمة التي ذكرناها لكم الآن، وكرر الرابع منها خمس مرات في هذه السورة الكريمة في غير هذه الآية.
أما البراهين الثلاث السائرة في القرآن بكثرة التي أشير إليها هنا: فالأول منها: هو أنَّه خلقنا واخترعنا ابتداءً، المشار إليه في قوله في الآيات التي تلونا:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ}[البقرة / ٢١] يعني: ومن خلقكم أولًا هو قادر على أن يعيدكم ثانية، لأنَّ الإعادة أيسر من الاختراع والابتداء، ولو سألت أطرف عاقل في الدنيا: أي الفعلين أصعب: اختراع الفعل وابتداؤه أولًا، أو إعادته بعد أن فُعل مرَّة أخرى؟ الجواب طبعًا: إعادته بعد الاختراع أسهل من اختراعه. وإن كان الله -جل وعلا- لا يصعب عليه شيء، ولأجل هذا ترى هذا البرهان كثيرًا في القرآن كقوله جل وعلا:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ}[الحج / ٥] ولا يكون البعث أبدًا أصعب من الإيجاد الأوَّل من تراب. وكقوله جل وعلا:{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} أي الإيجاد الأوَّل {فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (٦٢)} [الواقعة / ٦٢] أي: من أوجد أولًا قادر على الإيجاد ثانية. وكقوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ