وهذا الأصل هو أساس الخير، والحَجَر الأساسي للتوحيد، فمن حققه حسنت صلته بالله، وكان على ثقة صحيحة من عقيدته؛ لأنَّه هو الأساس الأعظم والطريق الأكبر في هذا الطَّريق، تنزيه خالق الكون عن مشابهة خلقه في جميع أنواع صفاتهم، وفي جميع أنواع المشابهات، فإذا استولى هذا الأساس على القلب، وطهرت أرضه من أقذار التشبيه، وعظمت رب العالمين كما ينبغي، وعلمت أنَّه لا يمكن أن يشبهه شيء من خلقه:
فالأساس الثَّاني من الأسس الثلاثة هو: تصديق الله فيما أثنى به على نفسه، وتصديق رسوله فيما أثنى به على ربه؛ لأنَّه لا يصف الله أعلمُ بالله من الله، {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}[البقرة / ١٤٠] ولا يصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم / ٣، ٤] ولكن هذا الإيمان والتصديق لصفات الله التي مدح الله بها نفسه، أو أثنى عليه بها رسوله إيمانًا مبنيًّا على أساس التنزيه الكامل -وهذا التعليم الذي قلت لكم الآن في هذين الأساسين- لم آت به من تلقاء نفسي، وإنما أخذته من نور المحكم المنزل؛ لأنَّ الله يقول: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} [الشورى / ١١] فإتيانه بـ {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} بعد قوله: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} فيه سر أكبر، ومغزى أعظم، وتعليم سماوي لا يترك في الحق لبسًا ألبتة.
وإيضاح هذا: أن السمع والبصر من حيث هما سمع وبصر صفتان يتصف بهما جميع الحيوانات -ولله المثل الأعلى- فالبقر يسمع