أهملوا الأرواح ولم يُرَبُّوهَا على نظام تعليم سماوي شرعه خالق الكون، فصاروا في غاية من انحطاط الأخلاق، والتمرد على نظام السماء؛ ولأجل أن تلك الأرواح غير مرباة ولا مهذبة على ضوء الوحي فتراهم الآن يعقدون المؤتمر بعد المؤتمر والمجلس بعد المجلس ليتخلصوا من القوة التي فعلوا ويدمروها، ولو كان واحد منهم واثقًا بأنه لو دمّر ما عنده لدمر الآخر ما عنده لبادروا كلًّا ليكتفوا شرها، وما ذلك إلَّا أنَّها تدبرها أرواح خبيثة ليست مرباة على ضوء وحي سماوي، وهذا يبين أن إهمال الناحية الروحية يهدد العالم كله بخطر دامي، فأنياب الأسد -مثلًا- وأظفاره قوة حيوانية هائلة، ولكن النَّفس التي تديرها نفس بهيمية طبيعتها الافتراس والابتزاز والغصب والقتل فلا خير فيها للبشرية.
ونحن نضرب لكم الأمثال في هذا: أن القرآن -وهو أساس دين الإسلام- يبين أن الإنسان لا بد أن يكدح في عمله كدحًا قويًّا مع الصلات الروحية برب العالمين، ونضرب لكم أمثالًا لهذا: إن شئتم أن تحققوا هذا فاقرؤوا آيتين من سورة النساء -كثيرًا ما نذكرهما في المناسبات- في صلاة الخوف، وهما قوله:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}[النساء / ١٠٢] هذا وقت التحام الكفاح المسلح، والرجال تسقط رؤوسهم من أعناقهم، وفي هذا الوقت الضنك الحرج نور القرآن العظيم ينظم الخطبة العسكرية على أبدع وجه وأكمله، في الوقت الذي يحافظ فيه على آداب من آداب الأرواح السماوية وهو الصَّلاة في