للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الروم / ٣٠ - ٣١] {مُنِيبِينَ} أي: جميع الأمة، وهو حال من ضمير الفاعل في قوله: {فَأقِمْ} فأقم أنت يا نبي الله وجهك في حال كونكم جميعًا منيبين. وقد أطبق أهل اللسان العربي على أن الحال الحقيقية -أعني التي لم تكن سببية- عند النَّحويين تلزم موافقتها لصاحبها إفرادًا وتثنيةً وجمعًا وتأنيثًا وتذكيرًا، فلا يجوز أن تقول: جاء زيد ضاحكين، ولا جاءت هند ضاحكات، ولا قم أنت حال كونكم قانتين وساجدين، لا، فلما قال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} في حال كونكم منيبين دل على دخول الأمة.

إذا علمتم هذا فاعلموا أن النَّبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - لما قال له الله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام / ٩٠] هدى هذه الرسل المذكورين أنا ندخل في ذلك.

وقد نعرض هنا لمسألة: أن بعض الجهلة يقول: كيف يؤمر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالاقتداء بالرسل وهو سيدهم وأفضلهم؟

والجواب: أن أمره بالاقتداء بهم أظهر لفضيلته؛ ليشاركهم فيما فعلوه من الخير، ويزيد عليهم بخيرات كثيرة لم تكن في شرائعهم، وإذا شاركهم بما عندهم وزاد عليهم كان ذلك أبين للفضل، وقد ثبت في صحيح البُخاريّ عن مجاهد أنَّه سأل ابن عباس: من أين أخذت السجدة في ص؟ قال: أو ما تقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ} [الأنعام / ٨٤] {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام / ٩٠] فسجدها داود، فسجدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١)، هذه الآيات والأحاديث تدلنا على أن ما


(١) أخرجه البُخاريّ في التفسير (سورة ص) حديث رقم (٤٨٠٧) ٨/ ٥٤٤.

<<  <   >  >>