للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاء بشرعنا من الأمر باتباع داود أننا مأمورون به.

إذا عرفتم هذا فالله يقول لداود: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: ١١] وهذا أعظم كفاح عسكري في وقته؛ لأن معنى: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} أي: دروعًا سابغات تحصن بها نفسك وجيشك في الميدان إذا التقت الصفوف، وقوله: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: ١١] علمه بها أصول الحدادة؛ لأن السرد في لغة العرب: نسج الدرع، ومعنى: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} اجعل الحلق والمسامير بأقدار متناسبة؛ لأن المسمار إن كان أكبر من الحلقة كسرها، وإن كان أصغر منها لم يشدها كما ينبغي، ولما بين له هذا الاحتياط العسكري في الميدان قال بعده: {وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [سبأ: ١١] ونحن مأمورون باتباعهم كما بينا، فعلينا أن نستعد لكفاح العدو، وأن نعمل صالحًا ونطيع خالق الكون، والله -جل وعلا- يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] هذا أمر من خالق الكون، وخالق السموات والأرض أوامره صعبة، والتكاسل والتناوم عنها ليس بالأمر الهين؛ لأن الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣)} [النور: ٦٣] ويقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦] فجعل أمر الرسول مانعًا من الاختيار موجبًا للامتثال، وقد قال لإبليس: {قَال مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: ١٢] كأنه يقول للمتواكلين المتكاسلين: ما لكم أن لا تعدوا القوة الكافية إذ أمرتكم؟ والنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو القدوة الأكبر والمربي الأعظم، وسيد الخلق -صلوات الله وسلامه عليه- هكذا كان يفعل، كان يعمل بالأمور الدينية، ويتقدم أعظم التقدم في الميادين الحيوية الدنيوية،

<<  <   >  >>