للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من طرق لم يعلمها الناس حتى يَسْلَم من الرَّصَد والعيون المبثوثة أمامه؛ النبي لم يقل: هذه خبرة كافر يسجد للصنم فهي خبرة نجسة قذرة أتركها! ! لا، استعان بخبرته وأعطاه مراكبه هو وصاحبه، ثم سار منتفعًا بخبرته حتى أوصله المدينة بسلام.

وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه هَمّ أن يمنع وطء النساء المَرَاضِع؛ لأن الغِيلَة التي هي وطء المرضع، كان العرب يزعمون أنها تُضعف عظم الولد، وإذا ضرب الرجل بسيفه فنبا سيفُه عن الضريبة قالوا: هذا رجل غِيلَت أمه، يعني: وُطئت أمه وهو يرضع، وكان شاعرهم يقول في هذا الميدان (١):

فوارس لم يُغَالُوا في رَضَاع ... فتنبو في أَكُفِّهُم السيوف

فلما أخبرته فارس والروم أنهم يفعلون ذلك ولا يضر أولادهم، أخذ بهذه الخطة الطبية ولم يقل: أصل تجاربها من الكفرة (٢).

وهذه أمور وأمثلة تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد [الخلق] (٣) يأخذ الأمور الدنيوية ولو اخترعتها أذهان كافرة فاجرة على حد قولهم: "اجتن الثمار وألق الخشبة في النار" وهو فيما بينه وبين ربه مرضٍ ربه جل وعلا. وعلى كل حال فنحن نضرب دائمًا الأمثال؛ لأن الأمثال


(١) البيت في الكامل (ص ١٧٧).
(٢) الحديث أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب: جواز الغيلة، حديث رقم (١٤٤٢) ٢/ ١٠٦٦.
(٣) في الأصل: الكون، وما بين المعقوفين زيادة على الأصل.

<<  <   >  >>